طارت غير بعيد ، من غير أن تؤيسه من نفسها فامتد إليها ليأخذها فتنحت ، فتبعها فطارت حتّى وقعت في كوة ، فذهب ليأخذها فطارت من الكوة ، فنظر داود أين تقع ، فبعث إليها من يصيدها ، فأبصر امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل ، هذا قول الكلبي.
وقال السدي : رآها تغتسل على سطح لها ، فرأى امرأة من أجمل النساء خلقا ، فتعجب داود من حسنها وحانت منها التفاتة وأبصرت ظله ، فنفضت شعرها فغطى بدنها ، فزاده ذلك إعجابا بها فسأل عنها. فقيل : هي تشايع بنت شايع امرأة أوريا بن حنانا ، وزوجها في غزاة بالبلقاء مع أيوب بن صوريا ابن أخت داود.
فكتب داود إلى ابن أخته أيوب صاحب بعث البلقاء : أن ابعث أوريا إلى موضع كذا وقدّمه قبل التابوت وكان من قدّم على التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه حتّى يفتح الله سبحانه على يديه أو يستشهد ، فبعثه وقدّمه ففتح له ، فكتب إلى داود بذلك ، فكتب إليه أيضا : أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا. فبعثه ففتح له ، فكتب إلى داود بذلك ، فكتب إليه أيضا : أن ابعثه إلى عدو كذا أشدّ منه بأسا. فبعثه فقتل في المرة الثالثة ، فلمّا انقضت عدّة المرأة تزوّجها داود فهي أم سليمان (١).
وقال آخرون : سبب امتحانه أن نفسه حدثته أنّه يطيق قطع يوم بغير مقارفة.
وهو ما أخبرنا شعيب بن محمّد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدثنا أحمد بن الأزهر قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا سعيد عن مطر عن الحسن قال : إن داود جزّأ الدهر أربعة أجزاء : يوما لنسائه ، ويوما للعبادة ، ويوما للقضاء بين بني إسرائيل ، ويوما لبني إسرائيل يذاكرهم ويذاكرونه ويبكيهم ويبكونه.
قال : فلما كان يوم بني إسرائيل ذكروا فقالوا : هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبا؟
فأضمر داود في نفسه أنه سيطبق ذلك ، فلما كان يوم عبادته غلق أبوابه وأمر أن لا يدخل عليه أحد ، وأكبّ على قراءة التوراة ، فبينما هو يقرأ إذ حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن قد وقعت بين يديه ، فأهوى إليها ليأخذها ، فطارت فوقعت غير بعيد من غير أن تؤيسه من نفسها ، فما زال يتبعها حتّى أشرف على امرأة تغتسل فأعجبه خلقها وحسنها ، فلمّا رأت ظله في الأرض جللت نفسها بشعرها ، فزاده ذلك بها إعجابا ، وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه ، فكتب إليه أن أسر إلى مكان كذا وكذا مكانا ، إذا سار إليه قتل ولم يرجع ففعل فأصيب ، فخطبها داود فتزوجها (٢).
__________________
(١) هذه القصة الخرافة التي يجل الله عنها أولياءه فضلا عن أنبيائه ، وردت في تفسير الطبري : ٢٣ / ١٧٥ ، وتاريخ الطبري : ١ / ٣٣٨ ، ومستدرك الحاكم : ٢ / ٥٨٦.
(٢) تفسير الطبري : ٢٣ / ١٧٦ ، تفسير القرآن للصنعاني : ٣ / ١٦١.