النسور تهوي تمشي في رفوفها ، وسمعت لغطا شديدا ، حتّى خفت على نبي الله ، وغشيته أسورة كثيرة حالت بيني وبينه ، حتّى ما أسمع صوته ، ثمّ طفقوا ينقطعون مثل قطع السحاب داهنين ، ففزع رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع الفجر ، ثمّ انطلق إليّ ، وقال : «أنمت؟» فقلت : لا والله لقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس حتّى سمعتك تقرعهم بعصاك. تقول : «اجلسوا».
قال : «لو خرجت لم آمن أن يتخطّفك بعضهم».
ثمّ قال : «هل رأيت شيئا؟». قلت : نعم رأيت رجالا سودا مسفري ثياب بيض. فقال : «أولئك جنّ نصيبين سألوني المتاع» ـ والمتاع الزاد ـ «فمتعتهم بكلّ عظم حائل وبعرة وروثة».
فقالوا : يا رسول الله يقذرها الناس علينا. فنهى النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يستنجى بالعظم والروث.
قال : فقلت : يا رسول الله وما يعني ذلك عنهم؟ قال : «إنّهم لا يجدون عظما إلّا وجدوا عليه لحمة يوم أكل ، ولا روثة إلّا وجدوا فيها حبّها يوم أكلت».
فقلت : يا رسول الله ، لغطا شديدا. فقال : «إنّ الجنّ يدارك في قتيل قتل بينهم» ـ وقيل : قتل ـ «فتحاكموا إليّ ، فقضيت بينهم بالحقّ». قال : ثمّ تبرّز رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ أتاني فقال : «هل معك ماء؟». قلت : يا رسول الله معي إداوة فيها شيء من نبيذ التمر ، فاستدعاه فصببت على يديه فتوضّأ.
وقال : «تمرة طيبة وماء طهور». قال قتادة : فذكر لنا ابن مسعود لمّا قدم الكوفة رأى شيوخا شمطا من الزط ، فأفزعوه حين رآهم. وقال : أظهروا. فقيل له : إنّ هؤلاء قوم من الزط ، فقال : ما أشبههم بالنفر الذين صرفوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يريد الجنّ [١٣] (١).
قال : أخبرنيه ابن منجويه ، حدّثنا ابن حنش المقري ، حدّثنا ابن زنجويه ، حدّثنا سلمة ، حدّثنا عبد الرزاق ، حدّثنا معمر ، عن قتادة بمثل معناه إلّا إنّه لم يذكر قصة نبيذ التمر.
أخبرنا الحسين بن محمّد الحديثي ، حدّثنا محمّد بن الحسن الصوفي ، حدّثنا أبو جعفر محمّد بن صالح بن ذريح ، حدّثنا مسروق بن المرزبان ، حدّثنا ابن أبي زائدة ، حدّثنا داود بن أبي هند ، عن علقمة ، قال : سألت عبد الله بن مسعود ، هل كان مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحد من الجنّ؟.
فقال : لا لم يصحبه منّا أحد. ولكنّا فقدناه ذات ليلة ، فقلنا استطير أو اغتيل ، فتفرّقنا في الشعاب والأودية نلتمسه ، فلمّا أصبحنا رأيناه مقبلا من نحو حراء.
فقلنا : يا رسول الله ، بتنا بشرّ ليلة بات بها قوم ، نقول : استطير أو اغتيل.
فقال : «إنّه أتاني داع من الجنّ ، فذهبت أقرئهم القرآن». قال : وأراني آثارهم وآثار نيرانهم. قال : «فسألوه ليلتئذ الزاد».
__________________
(١) كنز العمال : ٦ / ١٦٩.