ويترجّح أيضا من ملاحظة اتّفاق الأفهام السليمة المستقيمة من القدماء والمتأخرين من الفقهاء ، بل الخاصّة والعامّة اتّفقوا في الرواية وفهمها ، ولم يوجد من معترض أمثال ما ذكر ، إلّا في أمثال هذه الأزمان من نادر منّا.
ويترجّح أيضا ، مضافا إلى ما ذكرنا من ملاحظة الآيات والإجماعات والأخبار المتواترة في حرمة الرياء (١) ، وغيرها ، بل الأخبار الواردة في إخلاص العمل صريحة في اللزوم (٢) ، وممّا يدلّ على ذلك قوله عليهالسلام بعد ذلك : «ولا عمل [ولا نيّة] إلّا بإصابة السنّة» (٣) ، إذ معلوم أنّ الإصابة شرط.
إذا عرفت هذا ، فاعلم! أنّ النيّة بالنسبة إلى الصلاة وسائر العبادات ، ليست إلّا كغيرها من سائر أفعال المكلّفين من قيامهم وقعودهم وأكلهم وشربهم ونحو ذلك.
ولا ريب أنّ كلّ عاقل ـ غير غافل ولا ذاهل ـ لا يصدر عنه فعل من هذه الأفعال ، إلّا مع قصد ونيّة سابقة (٤) عليه ، ناشئة من تصوّر ما يترتّب عليه من الأغراض الباعثة والأسباب الحاملة على ذلك الفعل ، بل هو أمر طبيعي ، وخلق جبلّي ، لو أراد الانفكاك عنه يتعذّر عليه.
ومع هذا ؛ ألا ترى المكلّف في حال إرادة فعل من هذه الأفعال يحصل له عسر في النيّة ، ولا إشكال ولا وسوسة ولا فكر ، ولا ملاحظة مقارنة ، ولا غير ذلك ، مع أنّ فعله واقع بنيّة ، وقصد مقارن البتّة ، فإذا شرع في شيء من العبادات اضطرب في أمرها وحار في فكرها ، وربّما اعتراه في تلك الحال الجنون ، مع كونه في
__________________
(١) راجع! وسائل الشيعة : ١ / ٦٤ الباب ١١ ، ٧٠ الباب ١٢ من أبواب مقدّمة العبادات.
(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٥٩ الباب ٨ من أبواب مقدّمة العبادات.
(٣) المحاسن : ١ / ٣٤٨ الحديث ٧٣٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٧ الحديث ٨٤.
(٤) في (ك) : مباشرة.