فقد تبيّن أنّ لكلّ واحد من الفعلين كيفيّة يتميّز بها عن الآخر ، ولولا ذلك لكان من غسل رأسه فقد أتى على مسحه ، ومن اغتسل للجُمعة فقد أتى على وضوئه ، هذا مع إِجماع أهل اللغة والشرع على أنّ المسح لا يسمّى غسلاً ، والغسل لا يسمّى مسحاً (٢٤) .
فإِن قيل : لِمَ زعمتم ذلك وقد ذهب بعض المفسّرين إِلى أنّ معنى قوله سبحانه : ( فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ) (٢٥) أنّه غسل سوقها وأعناقها ، فسمّي الغسل مسحاً .
قلنا : ليس هذا مجمعاً عليه في تفسير هذه الآية ؛ وقد ذهب قوم إِلى أنّه أراد المسح بعينه (٢٦) ، وقال أبو عبيدة (٢٧) والفرّاء (٢٨) وغيرهما : أنّه أراد بالمسح الضرب (٢٩) .
وبعد : فإِنّ من قال : إِنّه أراد بالمسح الغسل ، لا يخالف في أنّ تسمية الغسل لا
______________________________
(٢٤) المسح : مرور اليد على الممسوح ، والغسل : سيلان الماء على المغسول ولو قليلاً .
ولو جازَ أن يطلق المسح على الغسل مجازاً ، كما قالوا : تمسّحت للصلاة ، وكقول أبي زيد : المسح خفيف الغسل ، لو جاز ذلك لما جاز شرعاً ، لأنّ الشرع فرّق بين الغسل والمسح ، ولذلك قالوا : بعض أعضاء الطهارة مغسولة وبعضها ممسوحة : وفلان يرى غسل الرجلين وفلان يرى مسحهما .
التعريفات ـ للجرجاني ـ : ٩٣ ، مفردات ألفاظ القرآن ـ للأصفهاني ـ : ٣٦٠ ، التبيان ـ للطوسيّ ـ ٣ : ٤٥٤ . أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ٢ : ٥٦٧ و ٢ : ٥٦٢ ، تفسير الطبري ٦ : ٨٣ .
(٢٥) سورة صۤ ٣٨ : ٣٣ .
(٢٦) كابن عبّاس والزهريّ وابن كيسان وابن جرير الطبريّ وعلي بن أبي طلحة والنحّاس ومجاهد والقاضي أبي يعلى . تفسير الطبريّ ٢٣ : ١٠٠ ، تفسير القرآن العظيم ـ لابن كثير ـ ٤ : ٣٧ ، التفسير الكبير ـ للفخر الرازي ـ ٢٦ : ٢٠٦ ، الجامع لأحكام القرآن ـ للقرطبي ـ ١٥ : ١٩٥ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٣ : ٣٨٢ ، تفسير البيضاويّ ٢ : ٣١٢ ، إِعراب القران ـ للنحّاس ـ ٣ : ٤٦٣ ، زاد المسير ٧ : ١٣١ ، مجمع البيان ـ للطبرسي ـ ٤ : ٤٧٥ ، لسان العرب ٢ : ٥٩٥ .
(٢٧) معمّر بن المثنّى ، التيميّ بالولاء ، البصريّ ، أبو عبيدة ، من أئمّة العلم والأدب واللغة ، مولد ، ووفاته بالبصرة ، توفّي في سنة ٢٠٩ هـ .
وفيات الأَعيان ٥ : ٢٣٥ ، ميزان الاعتدال ٤ : ١٥٥ ، تأريخ بغداد ١٣ : ٢٥٢ .
(٢٨) يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلميّ ، مولى بني أسد ، إِمام الكوفيّين وأعلمهم بالنحو والفقه وفنون الأدب ، توفّي في سنة ٢٠٧ هـ .
وفيات الأعيان ٦ : ١٧٦ ، تهذيب التهذيب ١١ : ١٨٦ ، سير أعلام النبلاء ١٠ : ١١٨ ، تأريخ بغداد ١٤ : ١٤٩ .
(٢٩)
ويضاف لما ذكره المصنّف ـ قدّس سرّه ـ : قتاده والزجّاج وابن الاثير والسدّيّ
والحسن البصريّ ومقاتل والخليل
=