عزّ وجلّ : ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ ) (٣٤) ثمّ قال : ( وَحُورٌ عِينٌ ) (٣٥) فخفضهنّ بالمجاورة ، لأنّهنّ يطفن ولا يُطاف بهنّ .
قلنا : أوّل ما في هذا أنّ القرّاء لم يجمعوا على جرّ ( حُورٌ عِينٌ ) بل أكثر السبعة يرى أنّ الصواب فيها الرفع ، وهم : نافع وابن كثير ، وعاصم في رواية أبي عمرو ، وابن عامر (٣٦) .
وإِنّما قرأها بالجرّ حمزة والكسائيّ وفي رواية المفضّل (٣٧) عن عاصم (٣٨) .
وقد حكي عن اُبَيّ (٣٩) أنّه كان ينصب فيقرأ . ( وَحُورٌ عِينٌ ) (٤٠) .
ثمّ إِنّ للجرّ فيها وجهاً صحيحاً غير المجاورة ، وهو أنّه لمّا تقدّم قوله تعالى : ( أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) (٤١) عطف بحور عين على جنّات النعيم ، فكأنّه قال : هم في جنّات النعيم ، وفي مقارنة أو معاشرة حور عين ، وحذف المضاف ، وهذا وجه
______________________________
(٣٤) سورة الواقعة ٥٦ : ١٧ ، ١٨ .
(٣٥) سورة الواقعة ٥٦ : ٢٢ .
(٣٦) الرفع على تقدير « وعندهم حور عين » قال الكسائي : من قال : « وحورٌ عين » بالرفع وعلّل بأنّه لا يطاف بهنّ يلزمه ذلك في « فاكهة ولحم » لأنّ ذلك لا يطاف به ، وليس يطاف إِلّا بالخمر وحدها .
اُنظر : الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٠٤ ، السبعة في القراءات : ٦٢٢ ، حجّة القراءات : ٦٩٥ .
(٣٧) المفضّل بن محمّد بن يعلى بن عامر الضبّيّ ، صاحب عاصم ، كان راوية وعلّامة بالشعر والأدب وأيّام العرب ، من أهل الكوفة ، قيل في وفاته : إِنّها في سنة ١٦٨ هـ .
اُنظر : سير أعلام النبلاء ١٤ : ٣٦٢ ، تأريخ بغداد ١٣ : ١٢١ ، البداية والنهاية ١٠ : ٢٢٨ ، لسان الميزان ٦ : ٨١ ، ميزان الاعتدال ٤ : ١٧٠ .
(٣٨) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٠٤ ، السبعة في القراءات : ٦٢٢ ، حجّة القراءات : ٦٩٥ .
(٣٩) اُبيّ بن كعب بن قيس بن عبيدة صحابي أنصاريّ ، كان قبل الإِسلام من أحبار اليهود ، شهد كلّ المشاهد مع الرسول الأكرم صلّی الله عليه وآله ، وتوفّي بالمدينة في سنة ٢١ هـ .
اُنظر : سير أعلام النبلاء ١ : ٣٨٩ ، الجرح والتعديل ٢ : ٢٩ ، اُسد الغابة ١ : ٤٩ ، حلية الأولياء ١ : ٢٥٠ .
(٤٠) كما حكي النصب عن الأشهب العقيلي والنخعي وعيسى بن عمر الثقفي ، وذلك على تقدير إِضمار فعلٍ فكأنّه قال : « ويزوّجون حوراً عيناً » كما وجد في مصحف اُبَيّ .
اُنظر : الجامع لأحكام القرآن ـ للقرطبي ـ ١٧ : ٢٠٥ ، معاني القرآن ـ للفرّاء ـ ٣ : ١٢٤ ، إعراب القرآن ـ للنحّاس ـ ٤ : ٣٢٧ .
(٤١) سورة الواقعة ٥٦ : ١١ ، ١٢ .