وإذن فنحن أمام نوعية من الشخصيات تمثل النخبة الواعية للاسلام في المجتمع الاسلامي في ذلك الحين ، وهي تستمد تفردها وتفوقها من فضائلها الشخصية ومن وعيها الاسلامي والتزامها بمواقفها المبدئية ، على خلاف الزعماء القبليين التقليديين الذين يستمدون قوتهم من الاعتبارات القبلية المحضة. وإن كانت هذه النخبة الواعية تضم رجالا كثيرين جمعوا إلى فضائلهم ووعيهم الاسلامي ولاء قبائلهم لاشخاصهم.
ومن هذا الذي قدمناه في بيان مقومات هذه النخبة يتضح أنها تمثل النقيض الاجتماعي للنخبة القبلية التقليدية التي كانت تدير سياسة القبائل ، وتتعامل مع النظام الاموي ، وتحصل على اعترافه الرسمي بزعامتها. وإذا كان لهذه النخبة التقليدية جمهورها الكبير ، فإن النخبة الواعية لم تكن بلا جمهور ، وإن كنا نرجح أنه صغير الحجم بالنسبة إلى الجمهور التقليدي.
___________________
= (ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق ، ولكن القلوب عليلة والبصائر مدخولة ...).
ومن ذلك قوله يخاطب أصحابه :
(... فانفذوا على بصائركم ، ولتصدق نياتكم في جهاد عدوكم ، فوالذي لا إله إلا هو اني لعلى جادة الحق ، وإنهم لعلى مزلة الباطل ...)
ومن ذلك قوله في دعاء.
(اللهم انك آنس الآنسين لاوليائك .. تشاهدهم في سرائرهم ، وتطلع عليهم في ضمائرهم وتعلم مبلغ بصائرهم ...).
ومن ذلك قوله في إحدى كلماته القصار :
(... الاماني تعمي أعين البصائر ...).
وورد هذا المصطلح في كلمة للمهدي العباسي قالها لوزيره الربيع علق بها على موقف أحد الثوار في عهده وصلابته وثباته : (أما ترى قلة خوفه وشدة قلبه ، هكذا تكون والله أهل البصائر)) مقاتل الطالبيين : ٤١٨.