أن هذا الاستنتاج لا صحة له على الاطلاق ، ومن المؤكد أن عرب الشمال كانوا يكونون من جمهور الثورة عنصرا كبيرا ، وإن كنا لا نستطيع أن نجد في الثورة ظاهرة (مضرية) أو ظاهرة (عدنانية) ، بل نلاحظ أن بعض النصوص يشير إلى دور بارز قامت به بعض عناصر عرب الشمال ، وهم القيسيون ، في مساندة السلطة لقمع الثورة الحسينية.
نذكر في هذا المجال بما تقدم من أن القوة التي قبضت على مسلم بن عقيل كانت من قيس (١). وثمة نص شعري عظيم القيمة يضئ الموقف القبلي ، فهو يبين أن قيسا هي الغريم الاكبر مسؤولية في قتل الحسين : قال سليمان بن قته المحاربي التابعي (٢) من جملة شعر له في رثاء الحسين :
وإن قتيل الطف من آل هاشم |
|
أذل رقاب المسلمين فذلت |
وعند غني قطرة من دمائنا |
|
سنجزيهم يوما بها حيث حلت |
إذا افتقرت قيس جبرنا فقيرها |
|
وتقتلنا قيس إذا النعل زلت (٣) |
___________________
(١) الطبري : ٥ / ٣٧٣ ، وجاء في النص (... وإنما كره (ابن زياد) أن يبعث معه (مع ابن الاشعث) قومه (كنده) لانه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصادف فيهم مثل ابن عقيل) وهذا الاستنتاج من أبي مخنف يجعل اختيار الجنود من قيس ناشئا من عوامل إدارية محضة. ونلاحظ أن شمر بن ذي الجوشن أحد أبرز رجال الامويين في كربلاء ـ كان قيسيا.
(٢) سليمان بن قته المحاربي من التابعين ، مولى ل (تيم قريش) ، المعارف ـ لابن قتيبة : ٤٨٧ ـ ومحارب قبيلة من فهر بن مالك بن النضر بن كنانة الذي تنتسب إليه قبائل قريش كلها. ومن فهر : الضحاك بن قيس الفهري ، زعيم القيسية في معركة مرج راهط ضد اليمنية بزعامة مروان بن الحكم في الصراع على الخلافة بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية وانتهت المعركة بهزيمة القيسية ، التي بايعت عبد الله بن الزبير بعد ذلك ، ومقتل الضحاك بن قيس الفهري.
(٣) المبرد (أبو العباس محمد بن يزيد) : الكامل ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم والسيد شحاتة ـ مطبعة نهضة مصر (غير مؤرخة) ١ / ٢٢٣.