المطر ثلاث سنين فأجهدهم ذلك فوجهوا إلى مكة رجالا يستسقون لهم في الحرم.
ولم تزل العرب تعظم موضع البيت ، وكان موضعه بعد الطوفان ربوة حمراء ، وأهله العماليق وسيدهم معاوية بن بكر ، فقدم عليه وفد عاد للاستسقاء وفيهم قيل (١) بن عمرو ويزيد بن ربيعة ، ونعيم بن هذال ، ولقمان بن عاد ، فقدموا ونزلوا على معاوية بن بكر وأقاموا عنده شهرا يأكلون ويشربون وتغنيهم الجرداتان وهما قينتان كانتا لمعاوية بن بكر ، فلما طال أمرهم أشفق عليهم معاوية بن بكر لانهم أخواله وخاف عليهم ، فصنع شعرا ينبههم به ويحثهم على ما قدموا له ، وأمر الجاريتين فغنتاه (٢) :
ألا يا قيل ويحك قم فهينم |
|
لعل الله يمطرنا غماما |
فيسقي أرض عاد إن عادا |
|
قد أمسوا لا يبينون الكلاما |
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم |
|
نهاركم وليلكم التماما |
فقبح وفدكم من وفد قوم |
|
ولا لقوا التحية والسلاما (٣) |
فانتبه القوم لما سمعوا الشعر ونهضوا يستسقون ، فلما استسقوا نشأت لهم ثلاث سحائب بيضاء وسوداء وحمراء ، ونودي قيل منها اختر لقومك قال البيضاء جهام قد فرغت ماءها ، والحمراء ريح والسوداء غيث فاختارها فقيل قد اخترت رمادا رمددا لا يبقي من عاد أحدا ، لا والدا ولا ولدا. فدخلت الريح على عاد من واديهم ، فأقامت سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، والحسوم الدائمة حتى هلكوا عن آخرهم ، وتهدمت ديارهم ولم يمنعهم جدار ولا جبل حتى هلكوا عن آخرهم ، ولم يبق إلا رسمهم.
__________________
(١) في ب : قنبل.
(٢) في ب : فغنيتاه.
(٣) الابيات في مروج الذهب بأطول من هذا.