حل هذا الموضع بجسده وبقي ذكره وعلمه فلا يوصل إليه ، ولا يقدر عليه بحيلة إلا بعد مدد ودورات تمضي من السنين».
وملك بعده ابنه البودشير (١) الملك فتجبر وتكبر ، وعمل بالسحر ، واحتجب عن العيون ، وقد كان أعمامه صابي وأبريت ملوكا على مواضعهم ، إلا أنه كان أكبرهم سنا ، فلذلك أذعنوا له.
فيقال إنه أرسل إلى هرمس المصري فبعثه إلى جبل القمر الذي يخرج النيل من تحته ، حتى عمل له هناك هيكلا للتماثيل من نحاس ، وعمل البطيحة التي ينصب عليها ماء النيل.
ويقال انه هو الذي عدل جنبي النيل ، وقد كان يفيض في بعض مواضع وربما انقطع في مواضع ، وأمره البودشير أن يسير مغربا لينظر ما هناك ، فوقع إلى أرض واسعة متخرقة بالمياه والعيون كثيرة العشب ، فبنى بها منائر ومتنزهات وأقام بها ، وحول البودشير جماعة من أهل بيته ، فعمروا تلك النواحي وبنوا فيها حتى صارت أرضا عامرة كلها ، وأقاموا بذلك مدة كبيرة ، وخالطهم البربر ونكح بعضهم في بعض.
ثم انهم تحاسدوا وتباغوا وكانت بينهم حروب افنتهم ، فحينئذ خرب البلد وباد أهله الا بقية منازل تسمى الواحات.
ويقال إنه عمل في وقته كثيرا من العجائب ، فمنها قبة لها أربعة أركان في كل واحد منها كوة يخرج منها دخان ملتف (٢) في ألوان شتى في يوم معلوم في السنة من أول سنتهم.
فإذا خرج الدخان أخضر دل على العمارة والخصب وحسن الزرع وصلاح النبات ، وإن خرج الدخان أبيض دل على الجدب وقلة الخيرات ، وإن خرج
__________________
(١) في ق : البودسير. وفي ب : في هذا الموضع فقط البودشيم.
(٢) في ق : ملفف.