وابتدأ نوح بعمل السفينة ، أقام في قطع خشبها من الساج وفي عملها ثلاث سنين ، ثم صنع المسامير وأعد كل ما يحتاج إليه ونصبها في رجب ، وأمر أن يجعل طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسين ذراعا ، وعمقها سبعين ذراعا.
ويقال إنه لم يدر كيف يعملها فأتاه جبريل عليه السلام ، وأمره أن يعملها على صورة الدجاجة وكانوا يهزؤن منه وهو يصنعها فيضحكون منه ، ويرمونه بالحجارة وجعل بابها في جنبها ، فأقامت بعد أن فرغ منها في البر سبعة أشهر إلى أن أخذ من أصحاب نوح الذين كانوا معه ثلاثة رجال فذبحوا الاصنام تقربا ليندفع عنهم القحط فيما زعموا ، فحق عليهم العذاب.
وأمر نوح عليه السلام أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين من جميع الحيوان ، وكانت الطبقة السفلى للدواب والانعام والوحوش ، والثانية للطعام والشراب ، والثالثة لهم وكانوا ثمانين نفسا نوح وبنوه عليه السلام سام وحام ويافث ، وأهله وناسه ، وحملت الملائكة تابوت آدم عليه السلام من خشب فيه جسده ، وكان معهم في السفينة ، وكان التابوت بتهامة ، وكان معه في السفينة (١).
وركب معه المؤمنون من ولد أبيه وجده إدريس عليه السلام ، فلما نزلوا من السفينة بنوا قرية وسموها سوق ثمانين ، فهي اليوم تعرف بذلك هناك.
ويقال أنه لما اتصل الخبر بدرمشيل ، أن نوحا قد ركب السفينة وحمل زاده قال وأين الماء الذي يحملهم؟ فركب في عدة من أصحابه وسار إلى السفينة ، وقد أجمع (٢) على إحراقها ، فنادى نوحا عليه السلام فاستجاب له ، فقال وأين الماء الذي يحمل سفينتك؟ قال هو يأتيك في مقامك هذا ، فقال وهذا أعجب ، إنك تقول إنه يكون في أرض يبس ماء غمر يحمل مثل هذه السفينة ، انزل منها أنت ومن معك وإلا أحرقتكم أجمعين ، فقال له نوح عليه
__________________
(١) هكذا وقع التكرار بالمعني في الاصول.
(٢) في ب : جمع ، والاصح ما ذكرناه.