تغاير المعنى لمغايرة اللفظ ، مثل قوله : «ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم» فإن ذلك غير قوله في هذا المعنى عينه في بني إسرائيل : «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم» فقدّم في آية «الأنعام» للفقراء بدليل قوله تعالى : «من إملاق» ، فاقتضت البلاغة تقديم وعدهم ـ أعني الآباء المملقين ـ بما يغنيهم من الرزق ، واقتضت البلاغة تكميل المعنى بعدة الأبناء بعد عدة الآباء ليكمل سكون الأنفس. وفي بني إسرائيل الخطاب للأغنياء ، بدليل قوله تعالى : «خشية إملاق» ، فإنه لا يخشى الفقر إلا الغني ، أما الفقير ففقره حاصل. فاقتضت البلاغة تقديم وعد الأبناء بالرزق ليشير هذا التقديم إلى أنه سبحانه هو الذي يرزق الأبناء ليزول ما توهم الأغنياء من أنهم بإنفاقهم على الأبناء يصيرون الى الفقر بعد الغنى ، ثم كمل هذا الطمأنينة بعدتهم بالرزق بعد عدة أبنائهم. فسبحان قائل هذا الكلام!
التّغاير في الشّعر العربيّ :
هذا وقد افتنّ الشعراء في هذا المعنى وتلاعبوا به وسلكوا به كل واد ، وسنورد لك فيما يلي طائفة مختارة مما تمّ به التغاير ، ومدح الشعراء ما هو مشتهر بالذّم ، وذمّوا ما من حقه المدح. وأول من أشار إلى ذلك عنترة بن شداد الشاعر العبسي والفارس المشهور عند ما اشتهى تقبيل السيوف لأنها التمعت كبارق ثغر من يهواها ، فقال بيتيه المشهورين :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل |
|
منّي وبيض الهند تقطر من دمي |