هذا الفنّ ، فإنه سبحانه لما امتنّ على البشر بما أنزل عليهم من اللباس المواري سوءاتهم بعد سياق قصة خروج أبيهم آدم من الجنة ، وأراد تذكيرهم وتحريضهم على التقوى قال قبل تمام الامتنان : «ولباس التقوى ذلك خير». وكان يمكن في هذه الآية ما أمكن في الآية التي قبلها من تأخير الجملة ، بحيث يقال : قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ذلك من آيات الله ، ولباس التقوى ذلك خير.
وإنما جنح الى تأخير ما كان يجوز تقديمه ليحصل في نظم الكلام نوع من المحاسن يقال له : التعطّف ، وذلك مجيء الكلام مستهلا بذكر اللباس كما استهلّه في أوله ، وتفاديا من أن يفصل بين لآيات التي يلائم بعضها بعضا بألفاظ من غير جنسها ليوصف الكلام بالائتلاف ، وهذا يسميه قدامة الالتفات ، وغيره يرى الالتفات غير ذلك ، كابن المعتز وأضرابه. وقد جرينا على رأي ابن المعتز فيما قدمناه في مكان آخر من أول الكتاب.
تعريف قدامة للالتفات :
أما تعريف قدامة للالتفات فهو كما جاء في كتابه «نقد الشعر» أن يكون المتكلم آخذا في معنى فيعترضه إما شك فيه أو ظنّ أن رادا ردّه عليه ، أو سائلا سأله عنه أو عن سببه ، فيلتفت قبل فراغه من التعبير عنه ، فإما أن يجلّي شكه أو يؤكده ويقرره ويذكر سببه. والذي نراه أن هذا أشبه بالاعتراض ، وأولى أن يندرج في سلكه.
وهناك التفات آخر في قوله «لعلهم يذكرون» فقد التفت عن الخطاب الى الغيبة وكان مقتضى المقام : لعلكم.