هذا المنطلق حارب القرآن فكرة الظهار ، واعتبرها منكرا وقولا زورا ، لا يبرّرهم شرع الله ولا الواقع ، فإنّ قول الرجل لزوجته : أنت عليّ كظهر أمّي لا يصيّرها أمّا له : «إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً» ، يشبه ولكن بصورة أعظم خطرا عند الله وفي واقع المجتمع فكرة الأدعياء التي عالجها الذكر الحكيم في سورة الأحزاب. (١)
وفي الوقت الذي تسفّه سورة المجادلة فكرة الظهار كما يتصوّرها الجاهليّون من المسلمين ، بأنّها لون من الطلاق الدائم الذي لا تصح بعده الرجعة ، تؤكّد هذه السورة بأنّ الرجعة ممكنة حفاظا على كيان الأسرة والمجتمع ورعاية لعواطف الإنسان ، ولكنّها تفرض كفّارة عليه قبلها (تحرير رقبة ، أو صيام شهرين ، أو إطعام ستين مسكينا) ، وذلك يعني أنّ الإسلام يعتبر الظهار أمرا مشروعا ، إنّما أراد بذلك الوقوف أمام تأثّر المسلمين بالجاهلية من جهة ، ودفعهم من جهة أخرى إلى أخذ شرائعهم وثقافتهم من مصدرها الصحيح والأصيل ، «ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ» ، وما دون ذلك فهو صنيع الجاهلية الضالة الكافرة ، والذي ينبغي الاستغفار منه ، لأنّ الإيمان والعمل به يستوجب غضب الله وعذابه ، «وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ».
بينات من الآيات :
[١] نزلت الآيات في امرأة من الأنصار ثم من الخزرج واسمها خولة بنت خويلد عن ابن عبّاس ، وقيل خولة بنت ثعلبة عن قتادة ومقاتل ، وزوجها أوس بن الصامت ، وذلك أنّها كانت حسنة الجسم فرآها زوجها ساجدة في صلاتها فلمّا انصرفت أرادها فأبت عليه فغضب عليها ، وكان امرءا فيه سرعة ولمم ، فقال لها :
__________________
(١) لقد مر تفسير ذلك في تفسير السورة فراجع