بصري ، وخشيت أن تعشى عيني ، قال : فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟ قال : لا والله إلّا أن تعينني على ذلك يا رسول الله ، فقال : إنّي معينك بخمسة عشر صاعا ، وأنا داع لك بالبركة ، فأعانه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بخمسة عشر صاعا فدعا له البركة فاجتمع لهما أمرهما. (١)
وحينما نتدبّر آيات الدرس على ضوء هذا النص التاريخي نستوحي بصيرتين : الأولى : أنّ هذه الحادثة جعلت مناسبة لنزول الوحي ليكون أبلغ أثرا ، وهكذا الكثير من الأحداث التي تزامنت ونزول آيات من الذكر الحكيم. الثانية : حضور الوحي عند قضايا الأمّة ومشاكلها ، فليس الوحي أفكارا مثالية ، إنّما كان حاضرا مع كلّ حدث ، وشاهدا على كلّ قضية ، مما جعله قطب رحى الأمّة وأساس بناء حضارتها.
فلا غرابة أن ترتجي خولة حلّا لمعضلتها عند النبي (صلّى الله عليه وآله) ، بل وتحاوره إلى حدّ الجدال ، لأنّها كأيّ مسلم وأيّة مسلمة ترى في القرآن وعند القيادة الربانية حلّا لكلّ مشكلة ، وجوابا لكلّ تساؤل. ولا ريب أنّ هذه العلاقة الوثيقة بين الأمّة وكتابها وقيادتها أولدت حضارة الإيمان التي لا زالت في مثلها وقيمها كما في واقعها مثلا وأسوة للبشرية.
إنّ خولة ألحّت على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وراجعته في الجدال مرّات ومرّات ، ولكنّه ما كان ليستصدر حكما من عند نفسه متأثرا لحالها ، وما كان يعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليه وحيه ، مما يؤكّد أنّه مرسل من قبل الله ، لا ينطق عن الهوى ولا عن عقل البشر. وإنّه لمن صفات القيادة الرسالية انطلاقها في أحكامها ومواقفها ورؤاها من الرسالة ، وليس عيبا السكوت ، إنّما العيب أن يحكم
__________________
(١) مجمع البيان ج ٩ ص ٢٤٦