به الخالق ، ولغة مخصوصة يعبّر بها عن معرفته ، فإذا به يسبّح له.
ونحن بنظرنا وتفكّرنا نهتدي إلى التسبيح بالمعنى الأوّل ، ولكنّنا نقصر عن فهم المعنى الثاني ، يقول تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (١) ، وقال يحدّثنا عن حضارة داود (ع) : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ) (٢) ، والخلق كلّهم متساوون تكوينيا في التسبيح لله ، وإنما يتفاوتون ويختلفون في النوع الآخر ، وإن أحدا لا يستطيع أن ينكر وجود شعور ولغة عند كلّ شيء ، فما أوتينا من العلم إلّا قليلا ، وجهلنا لا يغيّر من الواقع شيئا ، فنحن لا زلنا في البوصة الأولى من طريق ذي آلاف الأميال في مسيرة العلم والمعرفة ، قال ربّنا سبحانه : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) ، ويكفينا عقلا وحكمة أن نعترف بأنّ ما لا يحط به علما قد يكون موجودا فلا نعادي ما نجهل.
ولسنا بحاجة الى تأويل «ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» لينصرف إلى ما يعقل ، وذلك لأنّه يخالف ظاهر اللغة العربية التي اعتبرت «ما» لغير العاقل ، وما دام الوجود كلّه يسبح لله فإنّ عدم تسبيح الإنسان يعدّ تخلّفنا عن عهده التكويني الفطري مع ربّه ، وشذوذا عن واقع الكائنات.
إنّ من مشاكل البشر أنّه ينبهر بالطبيعة أو بجانب منها ، فإذا به يتخذ ما فيها إلها ، ويغتر بما فيها من ظاهر الزينة والقوّة والإبداع ، بينما لو تدبّر فيها مليّا عرف أنّها هي الأخرى تسبّح بحمد ربّها ، فكيف يتخذها شريكا لبارئها ، بل وتتأذى الطبيعة حينما يعبدها أحد من دون الله ، ففي الأخبار أنّ البقر نكّست رؤوسها منذ
__________________
(١) الإسراء / ٤٤
(٢) الأنبياء / ٧٩