الذين يكفرون عمليا ، فلا يلتزمون بأوامره ونواهيه ، ولا يقيمون حدوده. ومع أنّ عذاب الآخرة هو المصداق الأكبر لهذه الآية إلّا أنّه يحلّ بالكافرين في الدنيا أيضا ، ذلك أنّ حدود الله إنّما شرّعت وفرضت لصلاح المجتمع وسعادته ، فهي التي توقف الظلم والفساد ، وتحصّن المجتمع والأسرة منهما.
والحدود (سواء العملية الرادعة ، أو التشريعية كالنظم والقيم) بعضها يكمل بعضا ، ترسم مسيرة المجتمع وتضعه أمام خريطة واضحة محددة ، إذا تحرّك على أساسها وصل إلى الإيمان والسعادة وإلّا انتهى إلى ألوان من العذاب ، النفسي والاجتماعي والحضاري ، لأنّها هي التي تحافظ على حقوق الناس وترعاهم ، وتنفّذ النظام بينهم. والمجتمع الذي يسوده القانون ويحكمه النظام مجتمع عزيز ، يشعر كلّ أفراده بكرامتهم وأمنهم وحرمتهم ، وإنّهم ما لم يتجاوزوا الحدود لا يمكن لأحد أن يعتدي عليهم ، على العكس من ذلك المجتمع الذي تحكمه الفوضى ، ويكون هوى الأمير أو الرئيس أو الملك هو القانون ، فإنّه لا يحس بالأمن ولا يستشعر الكرامة.
هكذا كان فرض الحدود بهدف تحكيم القيم لا الأفراد في المجتمع ، حتى لا تضيع حقوق الناس.
[٥ ـ ٦] (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ)
معناه يقفون خصما لله ولرسوله ويستخدمون الحديد في ذلك (أي الحرب الساخنة) ، وقال البعض : إنّ أصل الكلمة من الحد بمعنى الفاصل ، ومعناه إذا المواجهة بكلّ أشكالها حيث يقف المتنازعون كلّ على حدّ بإزاء خصمه ، وهذا المعنى أقرب حيث أنّ المحادة في ضوء السياق الذي أشار إلى حدود الله أن يخالف الإنسان الحدود الإلهية فيختار لنفسه حدودا أخرى تشريعية وعملية ، كالذي يأخذ بالجاهلية وعموم النظم البشرية القديمة أو المعاصرة ، بدلا عن شريعة الله ، وبالذات