المنافقين ، وبالذات الرؤوس فيهم ، هم من أصحاب المال والقوّة ، ويؤكّد ربّنا أنّ شيئا من حطام الدنيا لن ينفعهم إذا حلّ بهم عذابه ، أو عرضوا على النّار يوم القيامة ، لأنّ ما ينفع الإنسان هنالك عمله الصالح وليس المال والأعوان.
(لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً)
ولو افتدوا بملىء الأرض ذهبا ، ولو اجتمع الإنس والجنّ لنصرتهم ، ولعلّنا نفهم من الآية أنّهم يوظّفون الأموال والأنصار من أجل أهدافهم القذرة ، أو أنّهم يتحصنون بهما ـ كما يفعل الطواغيت والظلمة ـ عن الفضيحة والأذى في الدنيا.
(أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)
نعم. إنّ المنافقين قد يتنعّمون في الدنيا ، وينالون نصيبا من زينتها ، ولكنّهم في الآخرة لا نصيب لهم إلّا العذاب المستمر ، وقوله تعالى «لن تغني» نفيا قاطعا مؤكّدا مؤيدا ، فيه إشارة إلى كونها تغني عنهم في الدنيا شيئا محدودا.
ثم يضع القرآن أمامنا صورة للمنافقين في الآخرة ، إذ يحلفون لله طمعا في النجاة بالمخادعة ، ذلك أنّ الحلف والأيمان ربما تصلح جنّة في الدنيا وأمام الناس ، أمّا الله فإنّه قد أحاط شهادة وعلما بكلّ شيء ، ولو أدرك الإنسان هذه الحقيقة بعمق لترك النفاق.
(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ)
فيقولون : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (١) إصرارا على النفاق المتأصّل فيهم ، وطمعا في الخلاص من الفضيحة والعذاب. وهذه الآية تهدينا إلى حقيقة مهمّة وهي
__________________
(١) الأنعام / ٢٣