ما يزيدنا ذلك إلّا إيمانا وتسليما ، ومضيّا على اللقم ، وصبرا على مضض الألم ، وجدّا في جهاد العدو» (١)
وجاء في السيرة أنّ عبد الله بن عبد الله بن أبي جلس إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فشرب النبي ماء ، فقال له : بالله يا رسول الله ما أبقيت من شرابك فضلة أسقيها أبي ، لعلّ الله يطهّر بها قلبه؟ فأفضل له ، فأتاه بها ، فقال له عبد الله : ما هذا؟ فقال : هي فضلة من شراب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) جئتك بها تشربها لعلّ الله يطهّر قلبك بها ، فقال له أبوه : فهلّا جئتني ببول أمّك فإنّه أطهر منها!! فغضب (ابنه) وجاء إلى النبي ، وقال : يا رسول الله! أما أذنت لي في قتل أبي؟ فقال النبي : «بل ترفق به ، وتحسن إليه» (٢)
(وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ)
لصدقهم معه ، وإخلاصهم له ، ونصرتهم لدينه ورسوله ، «وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ» من كلّ ثواب وجزاء غيره .. وهم بدورهم سلّموا له.
(وَرَضُوا عَنْهُ)
معرفة به ، ورغبة في ثوابه ، فهم لا يتذمّرون ممّا يصيبهم ويتعرّضون له من المصاعب والأذى في سبيله ، لأنهم يبحثون عن رضوانه أنّى وجدوه ، فهو تطلّعهم الأعظم الذي لا يبالون بالتضحيات من أجله ، ويسترخصون كلّ شيء سواه ، لأنّهم باعوا أنفسهم له تعالى ، وجعلوها رهن رضاه ، فتحزّبوا (ناصروا وتوحّدوا) من أجله ، تحت لواء الحق ، والقيادة الرسالية ، وفي تجمّع المؤمنين ، تحبّون ما يحب
__________________
(١) نهج البلاغة / خ ٥٦
(٢) القرطبي / ج ١٧ ص ٢٠٧