تجلياتهما ، ففيها الحديث عن هزيمة أعدائه ، وعن غلبته ورسله عليهم الذي يعكس عزته ، وفيها بيان التدبير ، وحكمة بعض أحكامه وتشريعاته.
[٢] ويذكّر القرآن بإحدى الحوادث التاريخية ، التي تعكس بأحداثها وآثارها عزة الله وحكمته ، حيث يضع أمامنا صورة واقعية لغلبته ورسله ، ويفصل فيها القول مما يجلّي عزته وحكمته ، فبعزته كتب الهزيمة على أعدائه ، والنصر لرسوله وللمؤمنين ، وبحكمته أعطى هذا النصر الكبير للمسلمين من دون تضحيات.
(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ)
والحشر هو الجمع والسوق الى جهة ما ، وفي المنجد حشرة عن بلاده : جلاه ، والجمع أخرجه من مكان الى آخر (١) وفي هذه الآية والآية الثالثة إشارة الى أنه الإخراج «ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا» والاجلاء «كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ» والمعنى : انه تعالى أخرج اليهود لأول جلاء لهم من شبه الجزيرة كمرحلة أولى ، يتبعها جلاء بعد آخر حتى لا يبقى منهم أحد ، وقد حدث ذلك بالفعل لمّا قويت شوكة المسلمين ، وأحس اليهود بالخطر ، وأن جلاءهم يمتد الى حشر القيامة دون رجعة الى ديارهم.
وقد قال تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ولم يقل : أهل الكتاب. لماذا؟ لعل ذلك لأن حرب الله عليهم ، وموقف حزبه منهم لا ينطلق من عنصرية ولا حسد ، باعتبارهم أهل كتاب آخر ، انما ينطلق من موقفهم العدائي تجاه الله والقرآن والرسول ، فقد تآمروا على النبي ونقضوا عهدهم مع المسلمين ، وسعوا للتحالف مع كفّار مكة والمشركيها ضدهما ، وذلك انه لما هزم المسلمون يوم أحد
__________________
(١) راجع مادة حشر