ارتابوا ، ونكثوا ، وطمعوا فيهم ، فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا الى مكة وحالفوا أبا سفيان عند الكعبة (١) ، فأهل الكتاب إذا التزموا بكتابهم ، وعهودهم ، فإنهم محترمون في الإسلام ، أما إذا كفروا ، وتآمروا ، فقد خرجوا من ذمة الإسلام ، ووجب قتالهم ، واجلاؤهم عن بلاد المسلمين ، وهذا ما حديث بالضبط مع يهود بني النضير وغيرهم ، وهذا الرأي أقرب من تفسير «كفروا» بأنه عدم اعتناق الإسلام ، لان الله لا يكرههم عليه ، ولا يعتبر كونهم من النصارى أو اليهود مبررا لقتالهم. أبدا ، بل يفرض لهم حق العيش بأمن في ذمة الإسلام والمسلمين ، ويدافع عنهم كأي مواطن مسلم ضمن عهود وحدود مفصلة في كتب الفقه ، فهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) يتألم للمسلمة المتعدى عليها في ظله كتألمه على الأخرى الكتابية لا يفرّق بينهما فيقول : «ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة ، والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعثها .. فلو ان امرء. مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما ، بل كان به عندي جديرا» (٢).
هذا هو واقع الإسلام ، والمنطلق السليم الذي ينبغي اعتباره في تحليل التاريخ ، ومواقف المسلمين من أهل الكتاب ، أما الأحقاد الموجهة ضد هما من الصهيونية والصليبية فهي لا تأسس إلّا على الحسد والأهواء والمصالح ، وبالذات بعد ارتباط الكنيست والفاتيكان بعجلة الاستكبار العالمي. بلى. إذا حرّف أهل الكتاب كتابهم ، وتحولوا الى مسيرة مناقضة لقيمة الحقيقة ، وإلى حرب الإسلام وقيادته واتباعه وجبت محاربتهم ، لأنهم حينئذ ليسوا من رسالات الله وأنبيائه على شيء.
ونعود إلى أول الآية عند قوله : «هو» ونتساءل لماذا يثبت الله إرادته ويؤكدها في هذا الموضع بالذات؟
__________________
(١) التفسير الكبير / ص ٢٧٨ عند الموضع
(٢) نهج / ج ٢٧ ص ٦٩