يدل على ان القوى الظاهرة المستكبرة والطاغية لا تستطيع سد كل الثغرات في كيانها مما يسمح للمؤمنين دحرهم من خلالها ، فمثلا حصون اليهود في أطراف المدينة المنورة كانت تقاوم بعض الحملات الطائشة التي تشنها الأعراب ضدّ المناطق الآهلة ولكنها لم تكن لتصمد أمام قوة رسالية يقودها قائد فذ.
ثم انها كانت قائمة ضمن معادلات سياسية ، وتحالفات عسكرية انهارت جميعا بعد استقرار الرسول في المدينة ، وربما يشير الى ذلك السياق في الآيات التالية.
وهكذا حاصر المسلمون تلك القلاع أكثر من عشرين ليلة مما اضطرهم للاستسلام.
(وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)
إذا فهناك عاملان لهزيمتهم : الأول : ظاهري مادي ، وهو إتيان الله لهم من خارج حساباتهم وخططهم ، والثاني : خفي وهو الرعب ، لأن السلاح مهما كان متطورا فتّاكا لا يجدي نفعها إذا سلب صاحبه إرادة القتال ، وتضعضع جانبه المعنوي ، ولذلك يعتبر السلاح المعنوي (تقوية معنويات الجندي وتضعيف العدو) من أهم عوامل النصر ، ومن أجله يرصد المتحاربون الأموال والإمكانات الطائلة ، ويخصصون له الوسائل والخبرات الكثيرة المؤثرة ، ويسعون للإبداع فيه ما أمكنهم. وسلاح الرعب والخوف ، وسلب المعنويات من أمضى وأظهر الأسلحة التي أيّد الله بها نبيّ الإسلام ، واعتمدها المسلمون في حروبهم ، وفي مواجهة النبي مع بني النضير القى الله الرعب في قلوب اليهود حتى استوعبها كلها ، فتغيرت المعادلة من الكبرياء والغرور الى الهزيمة النفسية ، وقد عمد النبي نفسه الى استخدام سلاح الرعب حيث امر باغتيال كعب بن الأشرف ، ولعل هدمه لبعض دورهم ، وقطع نخيلهم كان في بعض جوانبه جزء من خطّة إرعابهم.