وحينما يهيمن الرعب على القلوب فانه يفقد العدو القدرة على التخطيط السليم ، لأن من أهم ما يحتاجه الإنسان لكي يكون تفكيره منطقيا ومعقولا الاستقرار والاطمئنان الداخلي ، وقد فقد اليهود ذلك فخرجوا من التعقل الى الانفعال ، فصاروا يخططون ويعملون ضد أنفسهم من حيث لا يشعرون ، حيث راحوا يهدمون بيوتهم بأيديهم حتى لا ينتفع بها المؤمنون ، وقيل حتى يصبح ركام الخرائب حائلا دون تقدم المسلمين ، وقيل : ليفسح لهم المجال للمناورة في الحرب ، وغاب عنهم انهم أظهروا بذلك التصرف هزيمتهم للمسلمين مما قوى معنويات عدوهم فصاروا متيقنين بالنصر بعد أن كانوا لا يظنون بأن اليهود يخرجون ، وأنهم أعانوا المؤمنين على تحقيق أهمّ أهدافهم من المواجهة معهم وهو تقويض كيانهم ووجودهم.
(يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)
وهذه الحادثة التاريخية وأمثالها حريّة بالدراسة والتحليل لما فيها من المنفعة الدنيوية والأخروية للإنسان ، والمؤمنون أولى من غيرهم بدراستها لأنها جزء من تاريخ حضارتهم ، ولأنها تعنيهم وتهمهم أكثر من أيّ أحد.
(فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ)
والإعتبار هو العبور من الظواهر إلى الحقائق ، ومن الأحداث إلى خلفياتها ، والعبرة الحقيقية ليست بأن يستفيد الإنسان من دراسته لأي حدث أو قضيّة أفكارا علميّة ونظريات وخططا وحسب ، بل هي بالإضافة إلى ذلك أن تنعكس على سلوكه الشخصي في الحياة ، ويهتدي بها إلى أهمّ العبر والمواعظ وهي الإيمان بالله عزّ وجلّ. ولا يصل الى هذه الغاية إلّا أولو البصائر السليمة ، فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «ولا يصح الاعتبار إلّا لأهل الصفا والبصيرة» (١) ثم
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٢٧٤