[٥ ـ ٦] ويقدّم الله هذه الحقيقة : أن الجلاء كان نتيجة مشاقّة اليهود لله ولرسوله ، والتأكيد على أن العقاب الشديد سوف ينال كلّ مشاقّ له سبحانه ، يقدمها كمدخل لعلاج شبهتين أثارهما اليهود والمنافقون حول النبي (صلّى الله عليه وآله) ومكانته القيادية وهما قطع النخل ، وتقسيم الفيء ، ذلك لكي يحصن المؤمنين ضد الاعلام المضلّل ، وليعلموا أن المشاقّة لا تتحدد باليهود ، ولا تنحصر في حمل السيف ، بل إن الشك في قيادة النبي والتخلف عن طاعته هو الآخر مشاقة يستحق صاحبها العقاب الشديد كما استحق ذلك اليهود.
فقد سعت اليهود بعد أن أمر النبي بقطع النخيل لاستغلال الحدث من أجل تشكيك المؤمنين في قيادته (صلّى الله عليه وآله) فقالوا : ما ذنب شجرة وأنتم تزعمون انكم مصلحون (١) ، وتلقّفت ألسن المرجفين المنافقين هذه الشبهة تشيعها في صفوف المؤمنين ، فسفه الوحي هذه الشبهة ورد شائعات المنافقين بالتأكيد على أن القرار في هذه القضية لم يكن من عند النبي ولا بهواه انما هو امر الله سبحانه.
(ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ)
واللينة هي كل نخلة لينة لما تمت وتيبس ، وقيل : هو اسم لنوع من أجود التمر في المدينة ونخلتها تسمى اللينة فالرسول إذا يعمل بأمر الله وحكمه ، وإذا ما طبق المؤمنون أوامره وأطاعوه فإنما ينفذون إرادة الله ، ويجرون أحكامه وشرائعه ، فلا داعي أن يصغوا لتلك الشبهات والشائعات لأنّها تجعل الإنسان مشاقّا له ولرسوله ، وما دام أمر القيادة الرسالية هو أمر الله فالمسلمون ملزمون بالتسليم له ، ثم إن هذا القرار لا يدور في الفراغ والعبث ، إنما يرتكز على خلفيات واهداف أهمها أنه الجزاء
__________________
(١) الدر المنثور / ج ٦ ص ١٨٧