والعيش الذليل في ظل حكمهم ، كما أنهم لا يسمحون لهم بممارسة شعائرهم ، وتطبيق دينهم ، ووجدوا أنفسهم مجبرين على الهجرة كواجب شرعي لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) (١) ولقوله (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) (٢) ولأنهم يعلمون بأنهم مسئولون عن تطبيق أحكام الله ، والالتزام بها ما دامت في الأرض بقعة متحررة ، كما يدركون بأن الحرية لا يمكن المساومة عليها فهاجروا.
ثم يحدد القرآن الأهداف السليمة للمهاجر الصادق وهي ثلاثة :
الأول : البحث عن الفضل ، ونتساءل : هل في مفارقة الأهل والأوطان ، وتجرع الفقر من الفضل؟ بلى. لأن المستقبل الكريم ليس بتوافر الوسائل المادية وحدها ، وهل في الغنى والرفاه فضل إذا فقد الإنسان الحرية والكرامة ، واستلبه الطغاة الأمن والسلام؟ كلا .. أما المؤمنون الصادقون الواعون فإنهم يرون الفضل في المزيد من الإيمان والعلم ، والالتزام بالقيم والعيش بحرية واستقلال وكرامة في كنف القيادة والحركة الرسالية ، وكل ذلك يجدونه في الهجرة.
ثم إنهم لا يقتصر نظرهم على الحياة الدنيا ، بل ينفذون ببصائرهم إلى دار الآخرة ، حيث المستقبل الأبدي الذي ينبغي السعي للفلاح فيه ، ولو تطلب الأمر التضحية بكل ما في الدنيا من الأموال والأولاد والأنفس ، ولذلك يسترخص المؤمنون المهاجرون حطام الدنيا.
__________________
(١) الأنفال / ٧٢
(٢) النساء / ٩٧