أيّ بلد ، واللاحقون من الأجيال في الحركة الرسالية ، فإنهم يحترمون أولئك ، ويعون قيمة دورهم الريادي ، وانعكاسه الإيجابي عليهم ، ويريدون لهم الخير كما يريدونه لأنفسهم.
(يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ)
فهم لا ينسون جميل السابقين إليهم ، وتلك الجهود والتضحيات التي بذلوها لصالحهم ، ويقدّرون بالذات سبقهم إلى الإنتصار ، وتأسيسهم دار الإسلام (دولته) مما يتيح لهم الهجرة إليهم ، والتحرك بفاعلية أفضل وأوسع ، وسبقهم إلى الإيمان الذي تأسس به إيمانهم ، وعلاقتهم بهم تتأسس على نظرة الاحترام والحب والتقدير.
وللآية بصيرة هامّة تبين موقف التقييم السليم من قبل الأجيال اللاحقة تجاه الأجيال السابقة ، فهناك ثلاث نظريات تستتبع ثلاثة مواقف متباينة :
١ ـ الذين اعتبروا السابقين متخلّفين وسببا لتخلف اللّاحقين ، ووقفوا منهم موقفا سلبيّا للغاية ، وسموهم رجعيين ، ودعوا إلى بناء الواقع والمستقبل من جديد على انقاض الماضي ، ويمثل هؤلاء اليوم في المسلمين المتغربون والسلبيون الذين أصيبوا بردات فعل تجاه الواقع الذي نشأوا فيه ، وبلغ الأمر ببعضهم أن اتهموا دين الإسلام ذاته لأنهم رأوا بعض السلبيات فيمن اعتنقه من آبائهم ، كما قال تعالى : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١).
٢ ـ وهناك فريق آخر وقفوا موقف القبول المطلق وهم يردّدون
__________________
(١) الأحقاف / ١٧