أسلافهم لم يشهدوه ، ويخلطون بين قيم الدين وواقعيّات التراث ، وقد يقدسون التراث أكثر من الدين ، ولا يفكرون بأن التراث الذي يشكله سلفهم ليس كيانا ثقافيّا وحضاريّا واحدا ، فما الذي يقدسونه فيه؟! لقد تناقضت سيرة السلف إلى درجة كبيرة فهل يمكنهم العمل بكل المذاهب والمدارس الفكرية التي اتبعها أولئك السلف ، أم انهم يجتهدون في اختيار مذهب واحد ومدرسة واحدة؟! وهم كذلك يفعلون مما يثير التساؤل : إذا جاز لهم الاجتهاد في اختيار أصل المذهب فلما ذا لا يجوز الاجتهاد في فروعه؟ وأساسا إذا كان للاجتهاد قيمة عندهم فما الذي يمنعهم من توسيع نطاقه؟!
وإذا جاز لهم التطوير في شؤون حياتهم المادية فاذا بهم يركبون السيارات المرفّهة ، ويسكنون القصور الفخمة ، ويأخذون بكل معطيات العلم الحديث ، فلما ذا لا يجوز لهم التطوير في فهم دينهم حسب تقدم العلم ، وتوسع نطاق العقل؟!
وإذا كانوا يستندون في تقديس التراث إلى بعض الأحاديث المتشابهة فلما ذا تراهم يتركون كتاب ربهم الذي يصرح : بأن المستقبل أفضل من الماضي وان الله يورث الأرض عباده الصالحين.
وقد ساق المؤلف الشهير محمد سعيد رمضان البوطي (١) أدلة عديدة على أن السلف (في القرون الثلاث الأول) قد طوّروا منهج فهم الدين بأنفسهم ، وقد أخذوا بالوسائل الجديدة ، ثم عاب على هذه الطائفة المستحدثة انتماءهم للسلفية قائلا : ننتهي من هذا الذي أوضحناه إلى أن كلمة السلفية ليس لها من المضمون العلمي أو الواقع الإسلامي ما يجعلها تنطبق على جماعة من المسلمين بعينها ، ويضيف قائلا : ان السلف الصالح الذي تنتسب إليهم كلمة السلفية لم يجمدوا
__________________
(١) في كتابه : السلفيّة مرحلة زمنية مباركة لا مذهب سياسي الذي طبع عام (١٩٨٨)