في قرونهم الثلاثة ، بل حتى في قرن واحد منها على حرفية أقوال صدرت منهم أو واقع آراء أو عادات تلبسوا بها بحيث يصبح ذلك الجمود هو دستور الانتماء إليهم ، والتقوقع في حزبهم (١).
والآية الكريمة من خير دعاء المؤمنين لإخوانهم سواء السابقين أو المعاصرين والأنداد ، وإن المؤمن الصادق هو الذي تتجلى له الأخوة بلحاظ الإيمان اعمق من تجليها بلحاظ النسب ، فأخوه كل مؤمن وأخته كل مؤمنة ، مهما اختلف اللّون واللّسان والحسب ، ومهما اختلفت المسافة الزمنية والمكانية بينهما أو اختلفت الطبقات ، وهو لا ينظر إلى نفسه كفرد ، انما جزء من امة بكاملها ، بتاريخها وحاضرها ومستقبلها فيدعو لنفسه ولها على السواء ، ويسعى لتحقيق أهدافه ، كما يساهم في تحقيق أهداف إخوانه ، ويسعى نحو تطهير نفسه من رواسب الحقد والحسد والشحناء تجاه إخوته في الدين.
(وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا)
من حقد أو حسد أو أيّ أمر يدفع الإنسان إلى معادات إخوانه ، وهذا من أهم الطموحات التي يسعى المؤمنون نحوها متوكلين على الله ، لأن الخروج من شح النفس الفردية ، والتخلص من الأغلال تجاه الآخرين من الأمور الصعبة التي تحتاج الى توفيق إلهي ، وارادة قويّة ، ولأن ذلك عنوان بلوغ الإنسان درجة رفيعة من الإيمان ، فقد جاء في الحديث الشريف : «آخر ما يخرج من قلوب الصديقين الحسد» والمؤمنون يدركون ذلك ويعلمون أن بلوغهم درجة التخلص من الأغلال تجاه إخوانهم دليل رأفة الله ورحمته بهم ، ولذلك يثنون عليه في دعائهم فيقولون :
(رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)
__________________
(١) المصدر / ص ٢٢