بالذات وأنّ فهمها الخاطئ قد يجرّ المؤمنين إلى سلوكيات خاطئة في علاقتهم مع أعداء الله ، كأن تكون مبرّرا لموادة الأرحام منهم وموالاتهم ، فإنّ إبراهيم (عليه السلام) حينما وعد عمّه آزر بالاستغفار واستغفر له لم يكن قد أظهر عداوته لله ، إنّما كان ظاهره الشرك الموروث ، أو العداء الشخصي الموجّه ضد إبراهيم (عليه السلام) نفسه ، أو لعلّ آزر كان في بيئة الحنفية كما هي أسرة إبراهيم (عليه السلام) ولكنّه أنهار أمام ضغط المجتمع ، وصار إلى الشرك شيئا فشيئا حتى تمحض في الضلال عن الحق والعداء لله ولإبراهيم (عليه السلام) ، وإلّا فالاستغفار للمشركين محضور حتى على الأنبياء ، قال تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ* وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (١).
من هذه الآية يظهر أنّ الاستغفار له قبل أن يتبيّن موقفه النهائي جائز ، ويتأوّل إلى طلب هدايته ، كما كان الرسول (صلّى الله عليه وآله) يطلبها لقومه بقوله : «اللهم اهد قومي فإنّهم لا يعلمون» ، أمّا إذا تبيّن موقف المشرك وأنّه قد أصبح من أصحاب النار بجحوده وإنكاره فإنّ الواجب يومئذ البراءة منه بصراحة.
كما أنّ الاستغفار ليس بمعنى التحتيم على الله سبحانه حيث قال إبراهيم (عليه السلام) :
(وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ)
ولم يكن إبراهيم (عليه السلام) والذين معه أقوياء وأشداء ، حتى لا تكون البراءة بالنسبة إليهم تحديا صعبا ، إنّما كانوا في غاية الضعف ماديا ، ولذلك جأروا
__________________
(١) التوبة / ١١٣ ـ ١١٤