ثم يستثني القرآن لقطة واحدة من حياة إبراهيم (عليه السلام) يعالجها ويرفع ما حولها من غموض ، فيقول :
(إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ)
ولهذه الآية تفسيران :
الأوّل : بأن تكون هذه اللقطة من حياة إبراهيم (عليه السلام) مستثناة من عموم التأسي ، فلا ينبغي لمؤمن أن يأتم به فيها. قال بعضهم ذلك ، وبرّر بأحد الأمرين :
الأوّل : أنّ الله سبحانه قد خصّ بذلك إبراهيم (عليه السلام) وأمره به لأسباب يعلمها ولمدة محدودة ، كما أجاز لنبيه (صلّى الله عليه وآله) الزواج بأكثر من أربع ، حيث أنّ إبراهيم (عليه السلام) لم يقف عند حدود الوعد بل استغفر له ، قال تعالى يحكي عنه : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (١).
ثانيا : أو لأنّ القرآن يشير بعض الأحيان إلى التراجعات التي تحدث في حياة الأنبياء لكي لا يتحوّلوا إلى آلهة في نظر المؤمنين بهم وأتباعهم ، بالذات وأنّ هناك سابقة في الاستغفار عند النبي نوح (عليه السلام) حيث قال : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ* قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ).
الثاني : التفسير الذي نختاره حيث نعتبر اللقطة مما يتأسى به في حياة إبراهيم (عليه السلام) ولكن الوحي استثنى لإلفات الأنظار الى هذه اللقطة وعلاجها ،
__________________
(١) الشعراء / ٨٦