وهذا الوله إلى التوبة ينطلق من شعورهم بالتقصير في جانب الله عزّ وجلّ ، وعدم بلوغهم حدّ الإشباع في التسليم له. ومن الناحية الواقعية لا يضمن المؤمن عدم الوقوع في الأخطاء مائة بالمئة ، لذلك يجعل التوبة ذريعة لتصحيحها واتقاء سلبياتها.
أمّا نهاية الآية فهي غاية في أدب الدعاء حيث لا يصح أن يحتّم الداعي على ربه ما يريد ، إنّما يدع الإجابة رهن مشيئته ، فإن شاء استجاب لهم بعزته ، وإن شاء لم يستجب لهم بحكمته ، فإنّه قادر على نصرة المؤمنين ومنع الكافرين عن أذاهم بعزّته ، كما أنّه قد يجعلهم فتنة للكافرين بحكمته. وليس من تناقض بين حكمة الله وعزّته. والمؤمن الحقيقي هو الذي يسلم مصيره لربه مهما كان قضاؤه.
[٦] / وفي خاتمة الدرس يؤكّد القرآن دعوته للإقتداء بإبراهيم (عليه السلام) والمؤمنين معه ، ليكشف لنا أهمية التبرّي من المشركين ، وضرورة الأسوة في مسيرة الإنسان المؤمن.
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)
فليس المهم أن يختار الواحد أسوة في الحياة وحسب ، بل الأهم أن ينتقي أحسن الأسوات وسنامها ليقتدي بها ، وإبراهيم والمؤمنون معه خير أسوة لمن أراد البراءة الحقيقية من أعداء الله ، ولكن دون التأسي بهم ألوان التحديات والمصاعب التي تحتاج مقاومتها إلى الإرادة الصلبة والاستقامة ، وكلّ ذلك يستمدّه المؤمن من إيمانه بربّه وبالجزاء.
(لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ)
ناصرا يتوكّل عليه ، ووليّا ينيب إليه.