قوله ـ عليه السلام ـ : «يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا» (١) ، وقال أمير المؤمنين (ع) : «حتى لا تبقى قرية إلّا وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلّا الله ومحمد رسول الله بكرة وعشيّا» بلى. لو قسنا مسيرة البشرية بالساعات والأيّام فقد نجد بعض أمارات التراجع ، وربما واجهتنا بعض الانتكاسات ، ولكن المحصّلة النهائية القائمة على أساس الأرقام الإستراتيجية (بالأجيال والقرون) تهدينا إلى أنّ المسيرة تتجه نحو الأمام ، فليس من شك أنّ حال البشرية الآن خير ممّا كانت عليه قبل قرنين من الزمن لو اتخذنا مجمل القيم الدينية مقياسا ، كالتقدم العلمي ، والرفاه ، والحرية و.. و..
ونجد في الآيتين الكريمتين بيانا لمسيرة الصراع بين الأفكار والأمم ، ففي المرحلة الأولى يدور الصراع بين الفلسفات الدينية والقيم البشرية ، وفتنتصر الفكرة الدينية على الأخرى. وها نحن نلاحظ بشائر عودة الناس إلى الدين ، ونبذها للكفر بالله عزّ وجل ، وأظهر تلك البشائر ما نجده اليوم من تراجع سريع وواسع للمدّ الإلحادي (ومنه الشيوعية) في سائر أنحاء العالم ، وسوف يستمر هذا التحوّل حتى يأتي اليوم الذي تعود البشرية بمعظمها إلى الله والدين. فتبدأ المرحلة الثانية والتي يدور فيها الصراع بين الدين الخالص والأديان المحرّفة ، وقد تكفّل ربنا بإظهار دينه الحق على كلّ الأديان. (٢)
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)
وعلى خاتمة هذه المرحلة ينتصر الله بوليّه الأعظم الإمام الحجة بن الحسن ـ عجل الله فرجه ـ لدينه الخالص. وحيث حدثتنا الآية الثامنة عن المرحلة الأولى
__________________
(١) تفسير القمي / ج ٢ عند الآية.
(٢) مجمع البيان عند تفسير الآية.