ما زالوا متسكّعين على أبواب الملوك سرا وعلنا ، يوقّعون على جرائمهم بكلّ الأصابع ، ويكيلون لهم سيل الفتاوى الكاذبة أنّى شاؤوا ، ويزوّرون إرادة الجماهير ، ويحرّفون نصوص الدين. إنّهم بحق قطّاع طريق الله ، كما جاء في حديث قدسي ، وإنّ خطرهم على الإسلام أشدّ من خطر ألف سيف وألف بندقية ، «هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ». وليعلم هؤلاء أنّهم مهما خدعوا الناس أو أنفسهم فإنّ الله عليم بهم ، وسيقدّمهم للحساب حسب علمه سبحانه لا حسب خداعهم أو التباسهم ، وسيلقيهم في الجحيم وهم مهانون.
[٨] (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ)
وفي الخبر خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الناس فقال : «أيّها الناس! كلّ امرء لاق في فراره ما منه يفرّ ، والأجل مساق النفس إليه ، والهرب منه موافاته» (١) ، وقال الصادق (عليه السلام) : «تعدّ السنين ، ثم تعد الشهور ، ثم تعد الأيّام ، ثم تعد الساعات ، ثم يعد النفس ، فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون» (٢).
وهكذا الإنسان وكلّ حيّ لعلى موعد مع الموت ، وإنّما العمر مطية تحثّ بنا الخطى نحو ميعادنا المصيري ، وإنّ كلّ لحظة تمرّ بنا لهي تنتقص من أجلنا بقدرها ، فعلينا ألّا نحسب تقادم الأيّام طولا في أعمارنا ، فنقول مثلا فلان طويل العمر عمره سبعون عاما أو ثمانون ، وإنّما الحقيقة أنّه انتقص من عمره هذا القدر. ثم هل ينتهي بالبشر المطاف عند الموت حتى يطلق لنفسه العنان ، ويسير في الحياة حيث يريد؟! إنّما الموت قنطرة إلى الحساب والجزاء ، والمحاسب هو الله الذي لا يخفى
__________________
(١) تفسير القمي / ج ٢ عند الآية
(٢) نور الثقلين / ج ٥ ص ٣٢٤