القادم ، والفرصة الوحيدة القليلة ، والمصير الحاسم ، فإمّا الانتماء للخاسرين حيث العذاب ، وإمّا الانتماء لفريق الصالحين حيث الجنة) ، وهكذا سباق لا يدّخر العاقل فيه جهدا ، ولا يضيع فرصة أبدا.
ونقرأ في آيات هذه السورة بيانا لجانب من ركائز النفاق كمخالفة القيادة الرسالية ، والاستكبار على من حولها من المستضعفين والفقراء ، والاغترار بما عندهم من الأموال ، وهنا يطرح السؤال التالي نفسه : لماذا هذا الحديث العريض عن النفاق والمنافقين في كثير من مواضع القرآن إلى حدّ يخصّص الله سورة باسمهم؟ والجواب كما يبدو لي لثلاثة أمور رئيسية :
الأوّل : لتحذير المؤمنين من خطر الوقوع في النفاق ، بالذات وأنّ المؤمن أقرب للتورط في مرض النفاق منه إلى الكفر ، إذن فهو بحاجة لمعرفة حدود هذه المنطقة الخطرة ، وصفات أهلها ، وسبل تجنّب الدخول فيها للخلاص من شرورها.
الثاني : لتوجيه اهتمام القيادة الرسالية والمجتمع الإسلامي إلى خطر هذا الفريق على مسيرة الأمة ومستقبلها.
الثالث : ثم أنّ تنوّع الحديث عن النفاق في القرآن الكريم ضرورة يفرضها البحث في هذه القضية ، فالنفاق كما أعتقد هو انهزام الإنسان أمام الحقيقة ، فلا هو يقبلها بإخلاص ، ولا هو يردّها بصراحة ، وهذه الحالة تختلف باختلاف الحقائق ، فهناك نفاق يقع فيه الذين لا يؤمنون بالله عزّ وجل ، وآخر في مواجهة القيادة الرسالية ، بل هناك نوعه منه في مواجهة بعض التشريعات الإلهية.
وبتعبير آخر : النفاق هو الاتجاه المعاكس للإيمان ، وباعتبار الإيمان يمتد على مساحة الحقائق كلها فان النفاق يمتد بالتضاد على المسافة ذاتها ، وتناول القرآن لموضوع النفاق في سور كثيرة يستهدف معالجته من جوانبه المختلفة علاجا شاملا.