مشكوك في قيامهم بجريمة ما ، فأمر بأن تعمل في الجدار فتحات بعددهم ، وأمرهم أن يضعوا رؤوسهم فيها ولا يخرجوها ، ثم صاح بصوت عال : اضرب عنقه ، فأخرج المجرم رأسه ، وافتضح أمره. وعبّر القرآن عن هذه الصفة النفسية للمنافقين في موضع آخر بقوله تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) (١).
ولكنّ المنهجية الإسلامية في تقييم الأشخاص لا تعتمد على المظاهر وحدها حتى تمر عليها أساليب المنافقين وحيلهم ، فكيف وهي مدعومة بعلم الله المطلق وتوفيقه الدائم لأوليائه والمؤمنين به؟ لذا لا يعبأ القرآن بشهادتهم عند الرسول وأيمانهم المغلظة ، ولا بأجسامهم وأقوالهم ، إنّما ينظر إلى حقيقتهم حيث الأعمال السيئة المعادية للأمة وللقيادة الربانية ، وحيث النوايا الخبيثة المبيّتة ضد الإسلام ، وكلها صورة للعدو اللدود ، وكذلك وصفهم الله :
(هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ)
ونستلهم من هذه الكلمة بصيرتين :
الأولى : أنّ تظاهر المنافقين بالمحبّة والودّ وممارستهم للطقوس والشعائر قد يفقد المؤمنين الجرأة على اتخاذهم عدوّا ، أو يشكّكهم في كونهم من الأعداء ، وقد أشار القرآن إلى صورة من الاختلاف في الموقف تجاههم ، قال تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) (٢) ، فتأتي الآية تبصّرنا بأنّهم هم العدو لرفع التردد بالقول الفصل.
الثاني : تحدّد الآية الموقف العملي تجاه المنافقين ، ففي البداية ينبغي أن نؤمن
__________________
(١) التوبة / ٦٤
(٢) النساء / ٨٨