بعداوتهم ثم نأخذ الحيطة والحذر منهم وبالذّات القائد الذي تتوجّه إليه ضغوطهم المختلفة الهادفة إيقاعه في فخاخهم ، فإنّ من الخطأ الفظيع أن تتعامل قيادة المسلمين سياسية أو دينية بصورة ساذجة أو مائعة مع هذا الخط الذي همّه ـ كما تقدّمت الإشارة ـ الالتفات حولها وتغيير آرائها ومسارها بالاتجاه الذي يخدم مصالحه.
(قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)
وهذه الخاتمة من الآية تعطي شرعية للعداء معهم بل ومقاتلهم ، فما دام الله يقاتلهم يجب على المؤمنين الذين هم جنده أن يقاتلوهم أيضا. ومن قاتله الله فهو مهزوم لا ريب ، أمّا الإفك فهو الكذب والضلال ، ويؤفكون هنا يصرفون عن الحق إلى الباطل ، قال تعالى : (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) (١) ، فإلى أين وأيّ حدّ يصرف المنافقون عن الحق؟! وكأنّ في الآية إشارة إلى وجهة تضلّلهم كالشيطان والزعامات المنحرفة التي يسيرون تحت لوائها ، ويصنعون من أنفسهم عملاء أجراء لمصالحها. وهذه نتيجة طبيعية ، لأن المنافق لا يفقه شيئا بتعطيله ضميره وعقله ، فليس ثمّة مقياس يميّز به الحق عن الباطل ، ولا حدّ يقف عنده سوى المصالح والأهواء التي لا تعرف لها نهاية. وقال المفسرون في معنى «قاتَلَهُمُ اللهُ» أنّه لعنة أي أبعدهم الله.
[٥ ـ ٦] ويبيّن القرآن صورة أخرى من حالات المنافقين ومواقفهم فيما يتصل بالقيادة الرسالية ، وهي رفضهم الاعتراف بشرعيتها ، وبالتالي الصدّ عنها والاستكبار عليها. إنّهم مستعدون للتظاهر بكثير من الشعائر الدينية كالصلاة والصيام والحج لأنّها لا تكلّفهم مسئولية كبيرة ، أمّا أن يخضعوا للقيادة الشرعية فذلك أمر لا تطيقه نفوسهم. ومن هذا المنطلق أصبحت الطاعة للقيادة الرسالية
__________________
(١) الذاريات / ٨ ـ ٩