مقياس الإيمان ، كما قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١).
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ)
باعتباره (كما القيادات التي تمثّل امتدادا له) باب من أبواب رحمة الله.
(لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ)
ماذا تعني تلوية الرأس؟ إمّا باعتبارها علامة للرفض ، وإمّا لأنّه العضو الذي يحدّد به الإنسان وجهته ، فهم يصرفون وجهتهم خلاف تلك الدعوة.
وبوضع هذه الآية إلى جنب الآية الأولى التي تحدّثنا عن تكلّفهم في إظهار الإيمان بالرسول القائد نهتدي إلى أنّهم يعاشرون القيادة بوجهين : أحدهما وجه الإيمان والصلاح الذي يظهرونه في حضرة الرسول ، والآخر وجه الصدّ والتكبر الذي يعيشون به في المجتمع ضدّها. أو أن تكون الآية الأولى تحكي ظاهرهم ، والرابعة تحكي واقعهم وحقيقتهم. ثم إنّ صدق الإيمان بالقيادة لا يثبت بالقول «قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ» ، إنّما يثبت بالعمل ، وليس في واقع المنافقين ذرّة من الشهادة بذلك ، بل على العكس تجدهم يحاربون الرسول. وبالمقارنة نجد في الآيتين لفتة لطيفة ، فهناك قال الله : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) ، وهنا قال : «وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا» أي أنهم حين التظاهر بالشهادة والإيمان هم الذين يتعنّون ويجيئون للقيادة ، ولكنّهم عند العمل بها يستنكفون عن المجيء رغم دعوة الآخرين وإلحاحهم ، فالشهادة كما يراها الإسلام ليست مجرد التلفّظ والقول ، بل هي الشهادة للحقيقة بالقلب والقول والعمل ، ومسيرة المنافقين تناقض ذلك كلّه.
__________________
(١) النساء / ٦٥