ونستوحي من الآية أنّ المنافقين كانوا يتعاملون مع الرسول باعتباره قائدا سياسيّا ، يخشون صلوته ، ويطمعون في منائحه ، وليس باعتباره إنسانا ربّانيّا يوصلهم إلى ربّ العزّة والعظمة ، ولذلك تراهم لا يقبلون حتى استغفاره لهم ، بينما الاستغفار في مصلحتهم ، ويهدف تخفيف ذنوبهم.
(وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)
وهذا الموقف الجاحد تجاه الرسول (التمرّد والتحدّي) يميّز المنافقين عن العصاة الذين لا يلبثون أن يعودوا إلى رشدهم ويستغفروا لدى القيادة. ولعلّ الصد والاستكبار عن الخضوع للرسول نابع من تشرّبهم بالقيم الدنيوية واتباعهم مقاييسها في تشخيص القائد الحق ، فالمنافقون وأكثرهم من أهل المدينة ومن أصحاب المال والجاه كانوا يرون الأولى بالزعامة هو ابن بلدهم (وليس المهاجر من مكّة إليهم) ويشرط أن يكون أكثرهم مالا وولدا ، وليس تلك من صفة الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ فصدّوا عنه واستكبروا على قيادته ، وذلك لون من محاربة الله عزّ وجلّ ومحاربتهم الوحي ممّا يجعلهم في صفّ أعداء الله ، وليس تنفع أعداء الله شفاعة أحد ولو كان حبيبه محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
(سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ)
ونقرأ في هذه الآية عدّة أفكار تتصل بموقف الإسلام من قضية الشفاعة :
الأولى : أنّ السعي الذاتي هو الركيزة الأولى لتأثير الشفاعة في مسيرة الإنسان عمليّا وفي مصيرة عند الله ، حيث أنّ الشفاعة تقبل في من يكون أساس مسيرته سليما ، فتشفع له صالحاته ، ويقبل فيه استغفار المقرّبين ، أمّا لو كان منافقا أو كافرا أو مشركا فلن يستغفر له المقرّبون ، ولو فعلوا فإنّما يفعلون ذلك بصورة ظاهرة ،