لأنّ المقرّبين (الأنبياء والأوصياء) يرضون بمرضاة الله ويسخطون لسخطه فلا يحبّون المنافقين ولا يرغبون في نجاتهم إذا تبيّن لهم أنّهم أعداء الله ، كما أنّ إبراهيم ـ عليه السلام ـ استغفر لأبيه قبل أن يتبيّن له أنّه عدو لله فلمّا تبيّن له ذلك تبرّأ منه. كما أنّ مجرد استغفار الآخرين لا يحيل المنافق مؤمنا إذا لم يغيّر هو ما بنفسه ، ولا يغفر الله له إذا لم يستغفر لنفسه. قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ (فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (١).
الثانية : أنّ الشفاعة في التحليل العميق هي أنّ حسنة كبيرة كحب الرسول وطاعته والعمل بما يقول تذهب بالسيئات التي لا تمس بجوهر الإيمان وأساسه.
الثالثة : أنّ الآية توضّح الفاصل بين نظرية الفداء وشبيهاتها القائمة على الإيمان بتعدّد الآلهة ، وأنّ بعضها يفرض رأيه على البعض الآخر ، والتي ترى بأنّ شفاعة الأولياء والملائكة تفرض على الله فرضا ، وبين نظرية الإسلام التي ترى أنّها مجرّد دعاء من قبل المقرّبين ، ولله أن يتقبّله أو يردّه من دون فرض أو حتم. والفارق المهم بين النظريتين أنّ الأولى تبرّر للإنسان عدم تحمّل المسؤولية اعتمادا على اختلاف الملأ الأعلى وتعدّد إدارة الكون ، بينما تؤكّد الثانية ضرورة تحمّلها إذ ليس مؤكّدا أن يقبل الله شفاعة الآخرين واستغفارهم.
(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)
والآية هذه تختصر المعادلة كالتالي : إنّ الله لا يوفّق المنافقين لأنّهم فاسقون ، وبالتالي لا يتمّ التحوّل الإيجابي في حياتهم فلا يستغفر لهم الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وإذا لم يستغفر لهم لن يغفر الله لهم. وبالتدبر في خاتمة الآية قد يتضح لنا أنّ مغفرة الله تتجلّى في هدايته للإنسان إلى الحق ، وأنّ الفسق هو
__________________
(١) النساء / ٦٤