ارادة الإنسان وسعيه ضروري ، كما قال ربنا : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (١) ، ولكن التوفيق الى ذلك جزء من فضله تعالى.
(وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
وما دمنا في مقام رب عظيم ، ذي فضل عظيم ، ومغفرة عظيمة ورضوان ، فمن السفه ان نرضى لأنفسنا بالأدنى ، ونشتغل بالتوافه تاركين وراءنا ذلك الفضل العظيم.
ويأتي الأمر الالهي بالتسابق الذي يستهدف (المغفرة والرضوان) ، وهو أعلى مراحل السعي الايجابي وحالاته ، في مقابل التكاثر في الأموال والأولاد ، الذي يستهدف جمع أكبر قدر من حطام الدنيا ، ويمثل أسفل دركات العلاقة والانشداد بها ، بالرغم من اعتقاد الإنسان بأنه يبلغ الكمال عندها. ويصل التسابق الى أقصاه حينما ينبذ المؤمنون الغرور بالعمل والاماني ، وينطلقون من الاحساس بالتقصير ، لان الاحساس بالكمال يوقفهم عن السعي والاستزادة ، ولذلك قال تعالى (إِلى مَغْفِرَةٍ) ، وهذه من صفات المتقين «لا يرضون من أعمالهم القليل ، ولا يستكثرون الكثير ، فهم لأنفسهم متهمون ، ومن أعمالهم مشفقون ، إذا زكي أحد منهم خاف مما يقال له ، فيقول : انا أعلم بنفسي من غيري ، وربي أعلم بي من نفسي! اللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني أفضل مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون» (٢) وهذه الصفة هي التي تصنع الإبداع والفاعلية في الفرد والمجتمع ، وتجعله يتقدم الى الامام أبدا.
__________________
(١) الإسراء / ١٩
(٢) نهج / ح ١٩٣ ص ٣٠٤