الرابع : ما يختار فيه النصب مع جواز العطف ، وذلك أن يجتمع شروط العطف ، لكن يخاف منه فوات المعية المقصودة نحو : لا تغتذ بالسمك واللبن ، ولا يعجبك الأكل والشبع ، أي : مع اللبن ومع الشبع ؛ لأن النصب يبين مراد المتكلم والعطف لا يبينه ، وكذا إذا كان فيه تكلف من جهة المعنى نحو :
٨٧٨ ـ فكونوا أنتم وبني أبيكم |
|
مكان الكليتين من الطّحال |
فإن العطف وإن حسن من حيث اللفظ لكنه يؤدي إلى تكلف في المعنى ؛ إذ يصير التقدير : كونوا أنتم وليكونوا هم ، وذلك خلاف المقصود ، فإن لم يصلح الفعل للتسلط على تالي الواو امتنع العطف عند الجمهور ، وجاز النصب على المعية وعلى إضمار الفعل الصالح نحو : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) [يونس : ٧١] ، لا يجوز أن يجعل (وَشُرَكاءَكُمْ) معطوفا ؛ لأن (أجمع) لا ينصب إلا الأمر والكيد ونحوهما ، فأما أن يجعل مفعولا معه أو مفعولا ب : (أجمعوا) مقدرا ، ومثله (تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) [الحشر : ٩] ، فالإيمان مفعول معه أو مفعول ب : (اعتقدوا) مقدرا فإن لم يحسن والحالة هذه (مع) موضع (الواو) تعين الإضمار ، وامتنع المفعول معه أيضا كقوله :
٨٧٩ ـ وزجّجن الحواجب والعيونا
لأن (زججن) غير صالح للعمل في العيون ، وموضع الواو غير صالح ل : (مع) فيقدر (وكحلن) ، وذهب جماعة منهم أبو عبيدة والأصمعي وأبو محمد اليزيدي والمازني والمبرد إلى جواز العطف على الأول بتضمين العامل معنى يتسلط به على المتعاطفين ، واختاره الجرمي وقال : يجوز في العطف ما لا يجوز في الإفراد نحو : أكلت خبزا ولبنا ، فيضمّن وزجّجن معنى حسّنّ.
الخامس : ما يجوز فيه العطف والمفعول معه على السواء ، وذلك إذا أكد ضمير الرفع المتصل نحو : ما صنعت أنت وأباك ، ونحو : رأسه والحائط ، أي : (خل) أو (دع) ، وشأنك والحج ، أي : عليك بمعنى الزم ، وامرأ ونفسه ، أي : (دع) ، وذلك مقيس في كل
__________________
٨٧٨ ـ تقدم الشاهد برقم (٨٧٤).
٨٧٩ ـ البيت من الوافر ، وهو للراعي النميري في ديوانه ص ٢٦٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٥ ، واللسان والتاج وأساس البلاغة (زجج) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٩١ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٢١٢ ، ٧ / ٢٣٣ ، والإنصاف ٢ / ٦١٠ ، وأوضح المسالك ٢ / ٤٣٢ ، وتذكرة النحاة ص ٦١٧ ، وحاشية ياسين ١ / ٤٣٢ ، والخصائص ٢ / ٤٣٢ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٧٨.