وبجبل قاسيون أيضا لجهة الغرب ، على مقدار ميل أو أزيد من المولد المبارك ، مغارة تعرف بمغارة الدم ، لأن فوقها في الجبل دم هابيل قتيل أخيه قابيل ابني آدم ، صلى الله عليه وسلم ، يتصل من نحو نصف الجبل إلى المغارة. وقد أبقى الله منه في الجبل آثارا حمرا في الحجارة تحك فتستحيل ، وهي كالطريق في الجبل ، وتنقطع عند المغارة. وليس يوجد في النصف الأعلى من المغارة آثار تشبهها ، فكان يقال : إنها لون حجارة الجبل ، وإنما هي من الموضع الذي جر منه القاتل لأخيه حيث قتله حتى انتهى إلى المغارة ، وهي من آيات الله تعالى ، وآياته لا تحصى.
وقرأنا في تاريخ ابن المعلى الأسدي أن تلك المغارة صلى فيها إبراهيم وموسى وعيسى ولوط وأيوب ، عليهم وعلى نبينا الكريم أفضل الصلاة والسلام. وعليها مسجد قد أتقن بناؤه ، ويصعد إليه على أدراج ، وهو كالغرفة المستديرة ، وحولها أعواد مشرجبة مطيفة بها ، وبه بيوت ومرافق للسكنى. وهو يفتح كل يوم خميس والسرج من الشمع والفتائل تقد في المغارة ، وهي متسعة. وفي أعلى الجبل كهف منسوب لآدم ، صلى الله عليه وسلم ، وعليه بناء ، وهو موضع مبارك. وتحته في حضيض الجبل مغارة تعرف بمغارة الجوع ، ذكر أن سبعين نبيا ماتوا فيها جوعا. وكان عندهم رغيف فلم يزل كل واحد منهم يؤثر به صاحبه ، ويدور عليهم من يد إلى يد حتى لحقتهم المنية ، صلوات الله عليهم. وعلى هذه المغارة أيضا مسجد مبني ، وأبصرنا فيه السرج تقد نهارا.
ولكل مشهد من هذه المشاهد أوقاف معينة من بساتين وأرض بيضاء ورباع ، حتى أن البلد تكاد الأوقاف تستغرق جميع ما فيه. وكل مسجد يستحدث بناؤه أو مدرسة أو خانقة يعين لها السلطان أوقافا تقوم بها وبساكنيها والملتزمين لها وهذه ايضا من المفاخر المخلدة. ومن النساء الخواتين ذوات الأقدار من تأمر ببناء مسجد أو رباط أو مدرسة ، وتنفق فيها الأموال الواسعة ، وتعين لها من مالها الأوقاف. ومن الأمراء من يفعل مثل ذلك ، لهم في هذه الطريقة المباركة مسارعة مشكورة عند الله عز وجل.
وبآخر هذا الجبل المذكور ، في آخر البسيط البستاني الغربي من هذه البلد ، الربوة المباركة المذكورة في كتاب الله تعالى : مأوى المسيح وأمه ، صلوات الله عليهما ، وهي من أبدع مناظر الدنيا حسنا وجمالا وإشراقا وإتقان بناء واحتفال تشييد وشرف وضع ؛ هي