بلمحة دالة يكتفى بها عن التطويل. وكل من وفقه الله بهذه الجهات من الغرباء للانفراد يلتزم ، إن أحب ، ضيعة من الضياع فيكون فيها طيب العيش ، ناعم البال ، وينثال الخبز عليه من أهل الضيعة ، ويلتز الإمامة أو التعليم أو ماشاء. ومتى سئم المقام خرج ضيعة أخرى أو يصعد إلى جبل لبنان أو إلى جبل الجودي فيلقي بها المريدين المنقطعين إلى الله ، عزّ وجل ، فيقيم معهم ماشاء ، وينصرف إلى حيث شاء.
نصارى جبل لبنان
ومن العجب أن النصارى المجاورين لجبل لبنان اذا رأوا به بعض المنقطعين من المسلمين جلبوا لهم القوت وأحسنوا اليهم ، ويقولون : هؤلاء ممن انقطع إلى الله عزّ وجل فتجب مشاركتهم.
وهذا الجبل من أخصب جبال الدنيا ، فيه أنواع الفواكه ، وفيه المياه المطردة والظلال الوارفة ، وقلما يخلو من التبتيل والزهادة. واذا كانت معاملة النصارى لضد ملتهم هذه المعاملة فما ظنك بالمسلمين بعضهم مع بعض.
ومن أعجب ما يحدث به أن نيران الفتنة تشتعل بين الفئتين مسلمين ونصارى ، وربما يلتقي الجمعان ويقع المصاف بينهم ورفاق المسلمين والنصارى تختلف بينهم دون اعتراض عليهم. شاهدنا في هذا الوقت ، الذي هو شهر جمادى الأولى ، من ذلك خروج صلاح الدين بجميع عسكر المسلمين لمنازلة حصن الكرك ، وهو من أعظم حصون النصارى ، وهو المعترض في طريق الحجاز والمانع لسبيل المسلمين على البر ، بينه وبين القدس مسيرة يوم أو أشف قليلا ، وهو سرارة أرض فلسطين ، وله نظر عظيم الاتساع متصل العمارة ، يذكر أنه ينتهي إلى ربع مئة قرية ، فنازله هذا السلطان وضيق عليه وطال حصاره.
واختلاف القوافل من مصر إلى دمشق على بلاد الإفرنج غير منقطع. واختلاف المسلمين من دمشق إلى عكة كذلك. وتجار النصارى أيضا لا يمنع أحد منهم ولا يعترض. وللنصارى على المسلمين ضريبة يؤدونها في بلادهم ، وهي من الآمنة على