غاية. وتجار النصارى أيضا يؤدون في بلاد المسلمين على سلعهم ، والاتفاق بينهم والاعتدال في جميع الأحوال. وأهل الحرب مشتغلون بحربهم ، والناس في عافية ، والدنيا لمن غلب.
هذه سيرة أهل هذه البلاد في حربهم وفي الفتنة الواقعة بين أمراء المسلمين وملوكهم كذلك. ولا تعترض الرعايا ولا التجار ، فالأمن لا يفارقهم في جميع الأحوال سلما أو حربا. وشأن هذه البلاد في ذلك أعجب من أن يستوفى الحديث عنه ، والله يعلي كلمة الإسلام بمنه.
دمشق وآثارها
ولهذه البلدة قلعة يسكنها السلطان منحازة في الجهة الغربية من البلد ، وهي بإزاء باب الفرج من أبواب البلد ، وبها جامع السلطان يجمع فيه ، وعلى مقربة منها ، خارج البلد في جهة الغرب ، ميدانان كأنهما مبسوطان خزا لشدة خضرتهما ، وعليهما حلق ، والنهر بينهما ، وغيضة عظيمة من الحور متصلة بهما ، وهما من أبدع المناظر ، يخرج السلطان إليهما ويلعب فيهما بالصوالجة ويسابق بين الخيل فيهما ، ولا مجال للعين كمجالها فيهما. وفي كل ليلة يخرج أبناء السلطان إليهما للرماية والمسابقة واللعب بالصوالجة.
وبهذه البلدة أيضا قرب مئة حمام فيها وفي أرباضها ، وفيها نحو أربعين دارا للوضوء يجري الماء فيها كلها. وليس في هذه البلاد كلها بلدة أحسن منها للغريب ، لأن المرافق بها كثيرة. وفي الذي ذكرناه من ذلك كفاية ، والله يبقيها دار إسلام.
وأسواق هذه البلدة من أحفل أسواق البلاد وأحسنها انتظاما وابدعها وضعا ، ولا سيما قيسارياتها ، وهي مرتفعات كأنها الفناديق مثقفة كلها بأبواب حديد كأنها أبواب القصور ، وكل قيسارية منفردة بضبتها وأغلاقها الجديدة. ولها أيضا سوق ، يعرف بالسوق الكبير ، يتصل من باب الجابية إلى باب شرقي. وفيه بيت صغير جدا قد اتخذ مصلى ، وفي قبلته حجر يقال : إن إبراهيم ، صلى الله عليه وسلم ، كان يكسر عليه الآلهة التي كان يسوقها أبوه للبيع.