وحديث الدار المنسوبة لعمر بن عبد العزيز ، التي هي اليوم خانقة للصوفية ، وهي في الدهليز الذي في الباب الشمالي المعروف بباب الناطفيين ، وقد تقدم التنبيه عليها قبل هذا ، حديث عجيب ، وذلك أن الذي اشتراها وبناها وجعل لها الأوقاف الواسعة وأمر بأن يدفن فيها وأن يختم على قبره القرآن كل جمعة وعين من تلك الأوقاف لمن يحضر ذلك كل جمعة رطلا من خبز الحواري ، وهو ثلاثة أرطال من أرطال المغرب ، رجل من العجم يعرف بالسميساطي ، وسميساط بلدة من بلاد العجم ، وكان موصوفا بالورع والزهد ، وأصل يساره وتموله ، فيما ذكر لنا ، أنه الفى يوما من الأيام بالدهليز المذكور إزاء الدار المذكورة رجلا أسود مريضا مطروحا بموضعه غير ملتفت اليه ولا معتنى به ، فتأجر فيه والتزم تمريضه وخدمته والنظر له اغتناما للثواب من الله عز وجل ، فحانت وفاة الرجل ، فاستدعى ممرضه السميساطي المذكور فقال له : أنت قد أحسنت الي وخدمتني ولطفت في تمريضي واشفقت لحالي وغربتي ، فأنا أريد أن أكافئك على فعلك بي زائدا إلى مكافأة الله عز وجل عني في الآجل ، إن شاء الله. وذلك أني كنت من أحد فتيان الخليفة المعتضد العباسي ، ومعروفا بزمام الدار ، وكانت لي حظوة ومكانة ، فعتب علي في بعض الأمر ، فخرجت طريدا ، فانتهيت إلى هذه البلدة ، فأصابني فيها من أمر الله ما أصابني ، فسببك الله لي رحمة ، فأنا أقلدك أمانة وأعهد إليك فيها عهدا ، إذا أنا مت وغسلتني فانهض على بركة الله تعالى إلى بغداد وتلطف في السؤال عن دار صاحب الزمام فتى الخليفة ، فإذا أرشدت إليها فصرف الحيلة في اكترائها ، وأرجو أن الله يعينك على ذلك. وإذا سكنتها فاعمد إلى موضع ، سماه له فيها وذكر له أمارة عليه ، فاحفر فيه مقدار كذا وانزع اللوح الذي تجده معترضا تحت الأرض ، وخذ الذي تجده مدفونا تحت الأرض وصرفه في منافعك وما يوفقك الله إليه من وجوه البر والخير مباركا لك في ذلك ، إن شاء الله.
ثم توفي الرجل الموصي ، رحمه الله ، وتوجه الموصى إليه بعهده إلى بغداد ، فيسر الله له في اكتراء الدار وانتهى إلى الموضع المذكور فاستخرج منه ذخائر لا قيمة لها ، عظيمة الشأن ، كبيرة القدر ، فدسها في أحمال متاع ابتاعها وخرج إلى دمشق من بغداد ، فابتاع