الدار المذكورة المنسوبة لعمر بن عبد العزيز ، رضي الله عنه ، وبناها خانقة (١) للصوفية واحتفل فيها وابتاع لها الأوقاف ضياعا ورباعا وجعلها برسم الصوفية ، وأوصى بأن يدفن فيها وأن يختم القرآن على قبره كل جمعة ، وعين لكل من يحضر ذلك ما ذكرناه. فوجد الغرباء والفقراء في ذلك مرفقا كثيرا ، فتغص الخانقة بالقرأة كل جمعة. فإذا ختموا القرآن دعوا له وانصرفوا واندفع لكل واحد منهم رطل من الخبز ، على الصفة المذكورة. وبقي للمتوفى جميل الأثر والخير ، رحمه الله ورضوانه عليه.
والكوثرية التي ذكرناها أيضا بالجامع المكرم ، والمقروءة كل يوم بعد العصر ، المعينة لمن لا يحفظ القرآن كان أصلها أيضا أن أحد ذوي اليسار توفي وأوصى بأن يدس قبره في الجامع المكرم وأوقف وقفا يغل مئة وخمسين دينارا في السنة برسم من لا يحفظ القرآن ويقرأ من سورة الكوثر الخاتمة ، فينقسم له أربعون دينارا ، في كل ثلاثة أشهر من السنة. ويذكر أن أحد الملوك السالفين توفي أيضا وأوصى بأن يجعل قبره الجامع المكرم بحيث لا يظهر ، وعين أوقافا عظيمة تغل نحو الألف دينار وأربع مئة دينار في السنة وزائد لقراء سبع القرآن كل يوم.
وموضع الاجتماع لقراءة هذا السبع المبارك كل يوم ، إثر صلاة الصبح ، بالجهة الشرقية من مقصورة الصحابة ، رضي الله عنهم ، ويقال : إن في ذلك الموضع هو القبر المذكور. وقراءة السبع لا تتعدى ذلك الموضع متصلا مع جدار القبلة إلى الجدار الشرقي ، والله عز وجل لا يضيع أجر المحسنين. وبقيت هذه الرسوم الشريفة مخلدة مع الأيام ، نفع الله بها راسميها. وناهيك فيها من بلاد يهدى فيها لهذه الصنائع الزلفة لرضوان الله ، عزّ وجل ، وللفقراء الملتزمين الجلوس في الجانب الشرقي من الجامع المكرم ، الذين ليس لهم مأوى يأوون اليه ، وقف وصعه بعض المتأجرين الموفقين برسمهم ، ما يطول ذكره من المآثر الاخراوية الصدقية التي كفل الله بها غرباء هذه الجهات.
ومن عادة أهل دمشق وسائر تلك البلاد المستحسنة ، المرجو لهم فيها من الله عزّ وجل قبول ، أنهم في كل سنة يتوخون الوقوف يوم عرفة بجوامعهم إثر صلاة العصر ، يقف بهم أئمتهم كاشفي رؤوسهم داعين إلى ربهم التماسا لبركة الساعة التي يقف فيها
__________________
(١) خانقة أو خانگاه (من أصل فارسي) : مسكن الدراويش حيث يجرون مراسم تصوفهم.