وفد الله عزّ وجل وحجيج بيته الحرام بعرفات ، فلا يزالون واقفين داعين متضرعين إلى الله عز وجل ، وبحجاج بيته الحرام متوسلين ، إلى أن يسقط قرص الشمس ويقدروا نفر الحاج فينفصلوا باكين على ما حرموه من ذلك الموقف العظيم بعرفات وداعين إلى الله عزّ وجل في أن يوصلهم اليها ولا يخليهم من بركة القبول في فعلهم ذلك.
الصعود إلى سطح قبة الرصاص
ومن أعظم ما شاهدناه من مناظر الدنيا الغريبة الشأن ، وهياكلها الهائلة البنيان ، المعجزة الصنعة والإتقان ، المعترف لوصفها بالتقصير لسان كل بيان ، الصعود إلى أعلى قبة الرصاص المذكورة في هذا التقييد ، القائمة وسط الجامع المكرم ، والدخول في جوفها ، وإحالة لحظ الاعتبار في بديع وضعها ، مع القبة التي في وسطها كأنها كرة مجوفة داخلة وسط كرة أخرى أعظم منها ؛ صعدنا إليه في جملة من الأصحاب المغاربة ضحوة يوم الاثنين الثامن عشر لجمادى الأولى المذكورة من مرقى في الجانب الغربي من بلاط الصحن كان صومعة في القديم ، وتمشينا على سطح الجامع المكرم ، وكله ألواح رصاص منتظمة ، كما قد تقدم الذكر لذلك ، وطول كل لوح أربعة أشبار ، وعرضه ثلاثة أشبار ، وربما اعترض في الألواح نقص أو زيادة ، حتى انتهينا إلى القبة المذكورة ، فصعدنا إليها على سلم منصوب ، وريح الميد تكاد تطير بنا ، فحبونا في المشى المطيف بها ، وهو من رصاص ، وسعته ستة أشبار ، فلم نستطع القيام عليه لهول الموقف فيه ، فأسرعنا الولوج في جوف القبة على أحد شراجيبها المفتحة في الرصاص ، فأبصرنا مرأى تحار فيه العقول ، وتقف دون إدراك هيبة وصفه الأفهام ، وجلنا في فرش من الخشب العظام حول القبة الصغيرة الداخلة في جوف القبة الرصاصية على الصفة التي ذكرناها ، ولها طيقان يبصر منها الجامع ومن فيه ، فكنا نبصر الرجال فيه كأنهم الصبيان في المحاضر.
وهذه القبة مستديرة كالكرة ، وظاهرها من خشب قد شد بأضلاع من الخشب الضخام موثقة بنطق من الحديد ، ينعطف كل ضلع عليها كالدائرة وتجتمع الأضلاع كلها في مركز دائرة من الخشب أعلاها. وداخل هذه القبة ، وهو ما يلي الجامع المكرم ، خواتيم من الخشب منتظم بعضها ببعض قد اتصل اتصالا عجيبا ، وهي كلها مذهبة