بأبدع صنعة من التذهيب ، مزخرفة التلوين ، بديعة القرنصة ، يرتمي الأبصار شعاع ذهبها ، وتتحير الألباب في كيفية عقدها ووضعها لإفراط سموها ؛ أبصرنا من تلك الخواتيم الخشبية خاتما مطروحا جوف القبة ، لم يكن طوله أقل من ستة أشبار في عرض أربعة. وهي تلوح في انتظامها للعين كأن دور كل واحدة منها شبرا أو شبران الغاية لعظم سموها.
والقبة الرصاص محتوية على هذه القبة المذكورة وقد شدت أيضا بأضلاع عظيمة من الخشب الضخام ، موثقة الأوساط بنطق الحديد ، وعددها ثمان وأربعون ضلعا ، بين كل ضلع وضلع أربعة أشبار ، قد انعطفت انعطافا عجيبا ، واجتمعت أطرافها في مركز دائرة من الخشب أعلاها ، ودور هذه القبة الرصاصية ثمانون خطوة ، وهي مئتا شبر وستون شبرا ، والحال فيها أعظم من أن يبلغ وصفها ، وإنما هذا الذي ذكرناه نبذة يستدل بها على ما وراءها.
وتحت الغارب المستطيل المسمى النسر ، الذي تحت هاتين القبتين ، مدخل عظيم هو سقف للمقصورة ، بينه وبينها سماء جص مزينة ، وقد انتظم فيه من الخشب ما لا يحصى عدده ، وانعقد بعضها ببعض ، وتقوس بعضها على بعض ، وتركبت تركيبا هائلا منظره. وقد أدخلت في الجدار كله دعائم للقبتين المذكورتين. وفي ذلك الجدار حجارة ، كل واحد منها يزن قناطير مقنطرة ، لا تنقلها الفيلة فضلا عن غيرها. فالعجب كل العجب من تطليعها ذلك الموضع المفرط السمو ، وكيف تمكنت القدرة البشرية لذلك ، فسبحان من ألهم عباده إلى هذه الصنائع العجيبة ، ومعينهم على التأتي لما ليس موجودا في طبائعهم البشرية ، ومظهر آياته على أيدي من يشاء من خلقه ، لا إله سواه.
والقبتان على قاعدة مستديرة من الحجارة العظيمة قد قامت فوقها أرجل قصار ضخام من الحجارة الصم الكبار ، وقد فتح بين كل رجل ورجل شمسية ، واستدارت الشمسيات باستدارتها ، والقبتان في رأي العين واحدة ، وكنينا عنها باثنين لكون الواحدة في جوف الأخرى ، والظاهر منها قبة الرصاص.
ومن جملة عجائب ما عايناه في هاتين القبتين أن لم نجد فيهما عنكبوتا ناسجا على بعد العهد من التفقد لهما من أحد والتعاهد لتنظيف مساحتهما ، والعنكبوت في أمثالهما