موجود كثير. وقد كان حقق عندنا أن الجامع المكرم لا تنسج فيه العنكبوت ، ولا يدخله الطير المعروف بالخطاف ، وقد تقدم ذكرنا لذلك في هذا التقييد. فانصرفنا منحدرين ، وقد قضينا عجبا عجابا من هذا المنظر العظيم شأنه ، المعجز وضعه ، المرتفع عن الإدراك وصفه ، ويقال : إنه ما على ظهر المعمور أعجب منظرا ولا أبعد سموا ولا أغرب بنيانا من هذه القبة إلا ما يحكى عن قبة بيت المقدس ، فإنها يحكى أنها أبعد في الارتفاع والسمو من هذه. وجملة الأمر أن منظرها والوقوف على هيئة وضعها وعظيم الاستقدار فيها عند معاينها بالصعود إليها والولوج داخلها من أغرب ما يحدث به من عجائب الدنيا ، والقدرة لله الواحد القهار ، لا إله سواه.
رتبهم في جنائزهم
ولأهل دمشق وغيرها من هذه البلاد في جنائزهم رتبة عجيبة ، وذلك أنهم يمشون أمام الجنائز بقرّاء يقرأون القرآن بأصوات شجية ، وتلاحين مبكية ، تكاد تنخلع لها النفوس شجوا وحنانا ، يرفعون أصواتهم بها ، فتتلقاها الآذان بأدمع الأجفان ، وجنائزهم يصلى عليها في الجامع قبالة المقصورة ، فلا بد لكل جنازة من الجامع ، فإذا انتهوا إلى بابه قطعوا القراءة ، ودخلوا موضع الصلاة عليها ، إلا أن يكون الميت من أئمة الجامع أو من سدنته ، فإن الحالة المميزة له في ذلك أن يدخلوه بالقراءة إلى موضع الصلاة عليه. وربما اجتمعوا للعزاء بالبلاط الغربي من الصحن بإزاء باب البريد ، فيصلون أفرادا أفرادا ، ويجلسون وأمامهم ربعات من القرآن يقرأونها ، ونقباء الجنائز يرفعون أصواتهم بالنداء لكل واصل للعزاء من محتشمي البلدة وأعيانهم ويحلونهم بخططهم الهائلة التي قد وضعوها لكل واحد منهم بالإضافة إلى الدين ، فتسمع ما شئت من صدر الدين أو شمسه أو بدره أو نجمه أو زينه أو بهائه أو جماله أو مجده أو فخره أو شرفه أو معينه أو محييه أو زكيه أو نجيبه ، ما لا غاية له من هذه الألفاظ الموضوعة ، وتتبعها ـ ولا سيما في الفقهاء ـ بما شئت أيضا من سيد العلماء وجمال الأئمة وحجة الإسلام وفخر الشريعة وشرف الملة ومفتي الفريقين ، ما لا نهاية له من هذه الألفاظ المحالية. فيصعد كل واحد منهم إلى الشريعة ساحبا أذياله من الكبر ، ثانيا