عطفه وقذاله. فإذا استكملوا وفرغوا من القراءة وانتهى المجلس بهم منتهاه ، قام وعاظهم واحدا واحدا بحسب رتبهم في المعرفة فوعظ وذكر ونبه على خدع الدنيا وحذر وأنشد في المعنى ما حضر من الأشعار ثم ختم بتعزية صاحب المصاب والدعاء له وللمتوفى ثم قعد ، وتلاه آخر على مثل طريقته إلى أن يفرغوا ويتفرقوا. فربما كان مجلسا نافعا لمن يحضره من الذكرى.
ومخاطبة أهل هذه الجهات قاطبة بعضهم لبعض بالتمويل والتسويد وبامتثال الخدمة وتعظيم الحضرة ، وإذا لقي أحد منهم آخر مسلما يقول : جاء المملوك أو الخادم برسم الخدمة ، كناية عن السلام ، فيتعاطون المحال تعاطيا ، والجد عندهم عنقاء مغرب ، وصفة سلامهم إيماء للركوع أو السجود ، فترى الأعناق تتلاعب بين رفع وخفض ، وبسط وقبض ، وربما طالت بهم الحالة في ذلك ، فواحد ينحط وآخر يقوم ، وعمائمهم تهوي بينهم هويا. وهذه الحالة من الانعكاف الركوعي في السلام كنا عهدناه لقينات النساء ، وعند استعراض رقيق الإماء ، فيا عجبا لهولاء الرجال ، كيف تحلوا بسمات ربات الحجال ، لقد ابتذلوا أنفسهم فما تأنف النفوس الأبية منه ، واستعملوا تكفير الذمي المنهي في الشرع عنه! لهم في الشأن طرائق عجيبة في الباطل. فيا للعجب منهم ، إذا تعاملوا بهذه المعاملة وانتهوا إلى هذه الغاية في الألفاظ بينهم فبماذا يخاطبون سلاطينهم ويعاملونهم؟! لقد تساوت الأذناب عندهم والرؤوس ، ولم يميز لديهم الرئيس والمرؤوس! فسبحان خالق الخلق أطوارا ، لا شريك له ، ولا معبود سواه.
ومن عجيب حال الصغير عندهم والكبير ، بجميع هذه الجهات كلها ، أنهم يمشون وأيديهم إلى خلف قابضين بالواحدة على الأخرى ، ويركعون للسلام على تلك الحالة المشبهة بأحوال العناة مهانة واستكانة ، كأنهم قد سيموا تعنيفا ، وأوثقوا تكتيفا. وهم يعتقدون تلك الهيئة لهم تمييزا لهم في ذوي الخصوصية وتشريفا. ويزعمون أنهم يجدون بها نشاطا في الأعضاء ، وراحة من الإعياء. والمحتشم منهم من يسحب ذيله على الأرض شبرا أو يضع خلفه اليد الواحدة على الأخرى. قد اتخذوا هذه المشية بينهم سننا ، وكل منهم قد زين له سوء عمله فرآه حسنا. أستغفر الله منهم ، فإن لهم من آداب المصافحة عوائد تجدد لهم الإيمان ، وتستوهب لهم من الله الغفران ، لما بشر به