الحديث المأثور عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في المصافحة ، فهم يستعملونها إثر الصلوات ، ولا سيما إثر صلاة الصبح وصلاة العصر.
وإذا سلم الإمام وفرغ من الدعاء أقبلوا عليه بالمصافحة ، وأقبل بعضهم على بعض يصافح المرء عن يمينه وعن يساره ، فيتفرقون عن مجلس مغفرة ، بفضل الله عزّ وجل ، وقد تقدم الذكر فيما سلف من هذا التقييد أنهم يستعملونها عند رؤية الأهلة ، ويدعو بعضهم لبعض بتعرف بركة ذلك الشهر ويمنه واستصحاب السعادة والخير فيه وفيما يعود عليه من أمثاله ، وتلك أيضا طريقة حسنة ينفعهم الله بها لما فيها من تعاطي الدعوات وتجديد المودات ، ومصافحة المؤمنين بعضهم بعضا رحمة من الله تعالى ونعمة.
حسن سيرة السلطان
وقد تقدم الذكر أيضا في غير موضع من هذا الكتاب عن حسن سيرة السلطان بهذه الجهات : صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب ، وما له من المآثر المأثورة في الدنيا والدين ، ومثابرته على جهاد أعداء الله ، لأنه ليس أمام هذه البلدة بلدة للإسلام ، والشام أكثره بيد الإفرنج ، فسبب الله هذه السلطان رحمة للمسلمين بهذه الجهات ، فهو لا يأوي لراحة ، ولا يخلد إلى دعة ، ولا يزال سرجه مجلسه ؛ إنا بهذه البلدة نازلون منذ شهرين اثنين ، وحللناها وقد خرج لمنازلة حصن الكرك ، وقد تقدم الذكر أيضا له ، وهو عليه محاصر حتى الآن ، والله تعالى يعينه على فتحه. وسمعنا أحد فقهاء هذه البلدة وزعمائها المسلمين بسدة هذا السلطان والحاضرين مجلسه يذكر عنه في حضرة محفل علماء البلد وفقهائه ثلاث مناقب في ثلاث كلمات حكاها عنه رأينا إثباتها هنا : إحداها أن الحلم من سجاياه. فقال ، وقد صفح عن جريرة أحد الجناة عليه : أما أنا فلأن أخطئ في العفو أحب الي من أن أصيب في العقوبة. وهذا في الحلم منزع أحنفي.
وقال أيضا ، وقد تنوشدت بحضرته الأشعار وجرى ذكر من سلف من أكارم الملوك وأجوادهم : والله لو وهبت الدنيا للقاصد الآمل لما كنت أستكثرها له ، ولو استفرغت له جميع ما في خزانتي لما كان عوضا مما أراقه من حر ماء وجهه في استمناحه إياي. وهذا في الكرم مذهب رشيدي أو جعفري.